صورة حرفية…برلين و السور العظيم
في عام (1989) و عبر صور الرائي سقط سور برلين العظيم و تهادى بناؤه أمام عيني , فأحسست أن العالم هناك بدأ يتنفس الحرية , و رأيت عبر شاشات العالم التي نقلت الحدث و تباشرت به , كيف أن الناس يعشقون أن يعيشون بلا حدود , و أن يلتحموا مع أصولهم و إن بعدت بهم الفترة الزمنية , رأيت الشباب أكثر الناس فرحاً فتعالت صرخاتهم و ضحكاتهم , و رأيت الشيوخ أكثر الناس تأثراً و بكاءً و ذلك لفرط الحزن الذي أصابهم بعمرً قد فاتهم , و أيام من الحرية قد حرموا منها , العالم كله أحتفل بتلك اللحظات , و العالم الرأس مالي كان أشد احتفالا بسقوط عرش آخر من عروش الشيوعية , كانت القصص و الروايات التي نسجت حول ذلك السور مهولة , و الجزاء الذي لحق بكل من حاول تجاوزه شنيعة , حتى أضحت روايات و حكايات المغامرة عن تجاوز ذلك السور هي أكثر الروايات شيوعاً و انتشاراً و تلقفاً من قبل القارئ و المستمع , و لا يُعلم هل كان لها أصلاً على أرض الواقع أم الخيال نسجها ليصنع أحداثاً سياسية معينة .فمع تلك الأحداث و الرؤى وجدت نفسي مجذوباً أن أقف على ذلك السور , و أشم بعض الحرية , و لكي أقف بحسرة على من سقطوا قبل أن ينالوها , كنت مشحوناً إعلامياً فتصورت أن الجدار عملاقاً بحجم الهالة الإعلامية التي تثار حوله, فوجدته صغيراً نحيفاً محطماً متناثراً في أطراف كثيرة من المدينة , تارة في وسط حي شعبي , و تارة أخرى يمر وسط مباني المدينة العملاقة , و مرات قد اختفى من الأرض و لم يبقى منه إلا أجزاء صغيرة. لقد مات المارد العملاق و ماتت قبله آلاف الصرخات و دفنت من قبله ملايين الأنفاس , و بهدمه حيت أمة كانت مهزومة , و انتعشت أحلام مقهورة , و أزهرت نفوس جديدة , و أينعت أرض بالحب , و بين جبروت الجدار القائم و سقوط لبناته وجدت أن الأثر النفسي لا ينهدم مهما حاولت الأيام أن تمحو أثره , فعلمت أن أثر المأساة المعنوي أعظم من أثرها الحسي ألذي كان يمثله الواقع المجسد عبر تساقط ذلك الجدار , فالنفوس التي سقطت في خندق الظلم أكثر من تلك الحفر التي حفرت تحت ذلك الجدار , و القلوب التي أنشرخت أثناء الانفصال من الصعب أن يعيدها تصدع ذلك الجدار , , و وجدت أن الأسلاك الشائكة التي قيدت الحرية عبر فترة زمنية طويلة هي أعظم من أن تنفك أثناء تمزقها بسقوط السور, و على السور المتبقي و بجانبه عدة حكايات , فمن عاين الجدار و وجد مئات الصور التي لبست على جدرانه , و التي تحكي ملاحم أو معارك دارت في فضائه و هي صور بالأسود و الأبيض لتحكي المعاناة و كيف أن النهار لابد أن يمحو ظلام الليل , و أما من كانت لهم عبر الريشة هواية فقد رسموا أشكال عدة على جدرانه تمثل واقعهم إما بعد الجدار أو قبله أو تحكي رسومات لا تمت لهذا السور بأي شيء أبداً , و هناك و على جانب ذلك الجدار سوف تجد الكثير من الباعة الذين كتب الله رزقهم من سقوط ذلك الجدار , فجمعوا فتات ذلك السور ليبيعوه على السياح بدراهم معدودة , فكأنهم يبيعون شعارات الحرية على من لم يحسوا بمعاناتهم و آلامهم , أما الإرشاد السياحي فهو يحكي و بحماس عن أشياء كثيرة يعلم السائح بعضها و يصدق أغلبها ثم ينهكه التعب و يغيب عن الكثير من معانيها , و في أحد المناطق القريبة من أحد أجزء السور كان هناك زحام شديد على مدخل أحد المتاحف المصرية ( كيلوباترا ) , فعجبت ما لذي يجذبهم لمثل هذه المتاحف , و مالذي يجعلهم ينتظرون الساعات الطوال من أجل نظرة على تلك التماثيل الفرعونية ؟ لا أجد في نفسي جواباً ؟! إلى أن الفنون جنون و أن العشق أنهار ؟ و أن العاشق لا يسأل لماذا عشق ؟
• ღ “سور برلين” كان جدارا طويلا يفصل شطري برلين الشرقي والغربي والمناطق المحيطة في ألمانيا الشرقية. كان الغرض منه تحجيم المرور بين برلين الغربية وألمانيا الشرقية. بدأ بناءه في 13 أغسطس 1961م وجرى تحصينه على مدار السنين، ولكن تم فتحه في 9 نوفمبر 1989م وهدم بعد ذلك بشكل شبه كامل فماهي قصته ؟
• ღ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م ، قسمت ألمانيا إلى أربعة مناطق محتلة بحسب اتفاقية يالطة، كانت الدول المحتلة هي الولايات الأمريكية المتحدة، الاتحاد السوفييتي، المملكة المتحدة وفرنسا، وكانت هذه الدول المتحكمة والمديرة للمناطق المحتلة من ألمانيا، وتبعا لذلك، قسمت العاصمة السابقة للرايخ الألماني إلى أربعة مناطق أيضا، وفي ذات الحقبة بدأت الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي الشرقي والغرب الرأسمالي، ومثّلت برلين مسرحا للمعارك الاستخباراتية بينهم.
•ღ في عام 1949م بعد قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) في المناطق المحتلة من قبل الولايات الأمريكية المتحدة ، المملكة المتحدة وفرنسا ، وقيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) بعد ذلك في المنطقة المحتلة من قبل السوفييت ، بدأ العمل على قدم وساق على حدود كلا البلدين لتأمين الحدود ، وبقيام كيانين ، دَعم التقسيم السياسي لألمانيا ، وبين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية
•ღ ومنذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاشتراكية ، بدأ انتقال إعداد متزايدة من مواطنيها إلى ألمانيا الغربية ، وعلى وجه الخصوص عبر برلين ، التي كانت من شبه المستحيل مراقبة الحدود فيها ، حيث كانت الحدود تمر في وسط المدينة وإحيائها. وبين عامي 1949 إلى 1961 ترك قرابة 3 ملايين ألماني جمهورية ألمانيا الاشتراكية! وحيث أنهم كانوا في معظم الأحيان من الفئة المتعلمة، هدد ذلك القدرة الاقتصادية لألمانيا الشرقية، وهدد كيان الدولة ككل. وكان سور برلين بذلك الوسيلة لمنع هذه الهجرة، وقبل بناء السور أو الجدار ، كانت القوات الألمانية الشرقية تراقب وتفحص التحركات على الطرق المؤدية إلى غرب برلين بحثا عن ألاجئين والمهربين.
[/center]
•ღ بتاريخ 9 نوفمبر من عام 1989 ، بعد أكثر من 28 عاما على بنائه الذي اعتبر تقسيم لمدينة وتقسيم لشعب ، أعلن للصحافة إن قيود التنقل بين الألمانيتين قد رفعت ، فتوجهت إعداد كبيرة من الألمان الشرقيين عبر الحدود المفتوحة إلى برلين الغربية ، واعتبر هذا اليوم يوم سقوط سور برلين .
نسيم نجد
يتبع….
ماشاء الله شيء جميل وخاصة تقسيم الرحلة كمواضيع ليكون ذا فائدة وابواب ليتحصل منها المعرفة بخلاف الرحلة الكاملة والغير مقسمة على المواقع..
مبارك لك رحلتك وفكرتك يا ابو الافكار السياحية ..
ومنكم نستفيد.
أخوك ابو ابراهيم
مقالة جميلة وتصوير للأحداث أكثر من رائع .. أبدعت
وأتمنى أن تزال أسوار برلين الوهمية التي صنعتها العقول الجوفاء والقلوب الخاوية في جسد الأمة الإسلامية , مثل : التفرقة العنصرية في اللون أو النسب أو الطبقة الإجتماعية – وغيرها الكثير حتى أبناء المصير الواحد والقضية الواحدة مثل ما يحصل بين الأشقاء الفلسطينين .
أتمنى أن يأتي اليوم الذي يكون فيه المسلمون كأعضاء الجسد الواحد قولاً وتطبيقاً حتى تلوح خيوط الفجر المنتظر ..