رحلتي إلى سويسرا ….تبدأ من المطبخ
في ألمانيا ..و في شقتي في بون بالتحديد…أطفأت جميع مصابيح غرفتي….فحل ظلام الليل الداكن في أرجاءها…..جميل أن تستقبل مساء يعقبه صباح ….و صباح يحتضن بين ثناياه سفرٌ إلى عالم آخر ….سفرٌ إلى دولة جديدة….رحلة إلى البلاد السويسرية….سويسرا اسم موسيقي جميل……سويسرا حلم الصغر…و أمل يكبر حتى صار بين يدي ثمار سهل قطافها….فهل يتحقق الحلم ..و أناله بعد أن قرب ؟!
وضعت جسمي المثقل على السرير….بعد عناء يوم ثقيل….لم تغب عني سويسرا بعيداً …..فقد كانت على أطراف سريري في تلك الليلة…..و أنا في فراشي أتنقل بين رياضها و مروجها و أزهارها ….
غرفتي مظلمة من كل شيء….. ماعدا لمع بياض ثلوج جبال الألب التي كنت أتخيلها….الغرفة ساكنة من كل صوت ….ما عدا صوت خرير الماء المتساقط من أعالي جبالها….غرفتي رغم ظلامها ….فهي منيرة بنور أحلامي الوردية ….فهي ساكنة تترقب و تتمتع بأحلامي…..
ليالي السفر دائماً طويلة….و عقاربها بطيئة….كنت استيقظ و أنظر إلى ساعتي فأجد أنه لم يذهب من الليل إلا أقله….و تبقى على النهار و بزوغ الشمس أطوله…..أعود مرة أخرى إلى فراشي…و أضع يدي تحت خدي…فكأني أخاف أن تنسكب أحلامي…..أو أن تتبعثر آمالي…..أتقلب بين أطراف سريري فكأني أتجول بين أرجاء المدن السويسرية….
سفرتي هي حكاية …قصة….رواية….كل الأشياء الجميلة….و جميل أن تنام و أنت تحلم بقرب تحقيق أحلامك…..تسللت أشعة الشمس النافذة عبر النافذة….ولامست أطرافي….ففرحت بها أن أيقظتني من سباتي ….أن نبهتني من أحلامي…. لكي أحقق أحلامي على أرض واقعي….جميل جداً أن تنتظر حلماً جميلاً أن تحققه…..و أجمل منه أن تشرق عليك أشعة الشمس و أنت في دولة و تنتظر أن تودعك أشعتها و أنت في دولة أخرى…لا أعلم أين ستغيب علي أشعة شمس هذا اليوم…هل ستغيب علي و أن تحت ظلال الأشجار , أو بين الورود, أو في أحضان الطبيعة, أو في وديان متعرجة أو سفوح جبال عالية …لكن حتماً ستودعني في مكان…. جديد…. جميل…. بهيج ….إنها ستودعني في أراضي سويسرا…..
كل منا له طريقته في بدء رحلاته….أما أنا فبرنامج رحلاتي يبدأ من المطبخ….قد يكون غريب أمري …أو عجيب صنعي…لكن هذا متعتي التي لا فكاك منها…بل أجد نفسي تأنس و تسعد بها….لملمت جميع أغراضي للرحلة ….و تبقى شيئاً مهماً أحمله دوماً….بل لا بد أن أعمله ….حتى أرى رحلتي في المنظر أكمله….و أتمه…دخلت المطبخ….جمعت الأغراض الخاصة لعمل الوجبة..
عملت الشاي و القهوة…..فهي نظام حياة لا أفرضه عليكم و لكن أجعلكم تعيشون معي فيه …قد يعجبكم أو لا يعجبكم….لكن أنا أسبح في فضاءه….و أتنفس عبر أجوائه ….إذا كان الناس تطربهم أوتار عازف …..أو نغم جميل….أو يتمايل بهم الهوى…فأنا يطربني صوت آخر ….و لحن أعلى ….و أنغام تصب في أذني كأكمل و أجمل ما تستلذ به الآذن….دعوني أدعوكم لمعزوفة تملئ دنياي بألحانها….معزوفة ….فيها الملاعق قيثارها ….و السكاكين أوتارها….فيها صوت جميل هو صوت تستسة القدر الكاتم..كأجمل صوت يترنم….ياله من صوت….يبعث في النفس الارتياح و الطمأنينة ….قد أكون أنا لوحدي من يطرب لهذه الأشياء أو يسعد لهذا العزف ….فلكم أن تستمتعوا بمعزوفتي…بل من الممكن أن يصلكم بخار قدري الكاتم عبر أسلاك الشبكة ….فسامحوني أن أصابكم بعض بخاره….و علقت بكم رائحته الزكية…..طبعاً أنا طباخ خارج البيت أما في بيتي فأنا أسد ( و في الحروب نعامة )….
أثناء ذلك رن هاتفي….و رددت عليه ….هناك من يهاتفني من بعيد…بصوت غليظ…..بلغة لا هي ألمانية أو إنجليزية…..هي خليط مكسر….فقال : هل أنت نسيم نجد…
أجبته و بسرعة…بنعم…فقال : معاك مكتب تأجير السيارات في بون ….ثم أتبع…. لقد استأجرت منا في نهاية هذا الأسبوع سيارة مرسيدس….
أجبت بنعم ….وبدأ الخوف ينتابني و لا أعلم لماذا….فقال يحزننا أن تلك السيارة التي قد اخترتها قد تعرضت إلى حادث فأصبحت غير مهيأة للسفر….في لحظة طويلة…انتابني شعور غريب….شعور بفقدان أمل…بتحطم حلم…بصوت عنيف يهز أحلامي التي جلست أجمعها منذ الصغر….فكأنه يريد أن يسقط آخر ورقة من وريقات الأمل العالقة في أرجائي….أحسست بريح قوية تدمر و تقتلع كل أمل…. و كل منبت سقيته في نفسي خلال الأيام الماضية…..أه….يال سرعة تغير اتجاه بوصلة الحياة…..لها وجهان ….وجهها الضاحك و وجهها الآخر منزل الأحزان…..لها قلب يحمل بين أطرافه الآمال والآخر الآلام….لها تنفس يحمل بين شهيقه و زفيره….جرعات من السعادة و التعاسة…..لم أنتبه إلا على صوته…و هو يقول هل تسمعني…استفقت من صدمتي…لملمت أفكاري…فقلت : نعم أسمعك…فقال بصوت متصنع للهدوء…لا تحزن نحن في الشركة سنعوضك عنها…ففرحت و قلت بحق…فقال…نعم…..هل شاهدتم كيف ينبت الزرع في الأرض اليباب تحت زخات المطر….هل شاهدتم أطراف الصحاري القاحلة كيف يتغير لونها مع أول قطرات المطر….هل شاهدتم أسرع من نبات الصيف كيف يورق و كيف يعود مخضر الأطراف….كانت جملته السابقة هي غيث المطر لي و عودة الأمل…فقلت له كيف ستعوضونني عنها….فقال لقد بحثنا في شركتنا عن سيارة تؤدي بها غرضك ….و تستكمل بها مشاويرك …وكان مع كل كلمة يقولها تورق أشجار فرحتي…و تندفن في قاع الأرض مسببات تعاستي….هو يكلمني و أنا أكاد أطير من الفرح….قلت له : وماذا عساها أن تكون سيارتي الجديدة…فقال : فلكس سويجن ….رددت بشكل عفوي…فلكس سويجن….لا أريدها قال : هل تعرفها…أنا لا أعرفها و لا أريد أن أعرفها…. فهي تتمثل لي بأقبح شكل ……لا….لا بدأت أذكرها….نعم أبي كان يملك سيارة من جنسها….و أذكر أنه باعها في أعوام غابرة… نعم في عام 1399هـ…..كانت سيارته صفراء فاقعة…. ياه هل بعد كل هذا العمر تعود بي الدنيا و أقود فلكس سويجن…رباه أنت العون لي إن ضاقت بي الدنيا ….و أنت الملتجأ إن تاهت بي الدروب ….رباه لا أحمل كبراً في نفسي…لكن فلكس سويجن ….
الفلكس سويجن كيف أخترق بها الطرق الطويلة …..أو كيف أتسلق بها جبال الألب العالية؟!…..أو اعبر بها أنهار الراين التي تتدفق و بقوة من أعالي الجبال المرتفعة…أم كيف أتجاوز بها الغابات السوداء الكثيفة في ألمانيا؟!….بل كيف أحط رحالي في مدينة الأغنياء و الأثرياء في جنيف؟!….أو ألتقي بسياح الأرض قاطبة في مدينة آنسي الفرنسية….أم كيف أطل على لوزان بهذه السيارة الصفيراء ؟!…..و الأدهى و الأمر….كيف أقابل عشيقتي السويسرية إنتلاكن ؟!….بهذه السيارة البالية…..أعتقد أنها أصابتني دعوة مظلوم, أو عين حاسد, أو سهم عاشق….أو إن شئت فقل هي ابتلاء لأنني تعديت على أرض الأصدقاء ( أبو ريان )..لقد تخيلت نفسي و أنا منقطع بي السبيل في أطراف الأرض…….
و أن الشمس قد مالت إلى المغيب…و قد وضعت يدي على خدي أنتظر من يقوم بمساعدتي…أو من يقوم بدفع سيارتي المتعطلة إلى أقرب أماكن الصيانة….كل هذه الهواجس مرت علي وبسرعة…وصوت صاحب المكتب يقول ماذا تقول ؟…فقلت له سوف آتي إلى المكتب ….لنكتب نهاية لهذا الحلم الجميل…. أو نكتب بداية لمشكلة مع هذا المكتب القاسي….أغلقت السماعة فأغلقت الدنيا في وجهي….ماذا صار و كان مع سيارتي الصفيراء ؟!…و إن شئتم فسموها زوبا الصغيرة….هناك عندما تشرق شمس يوم جديد و لا أدري هل هو قريب أو بعيد…. تأتيكم بقية القصة….فسامحوني على التأخير ….
فهل تعتقدون أن الأيام تحمل بين ثناياها ….أمل ….أو….ألم
في الحلقة القادمة بإذن الله نتعرف على ذلك….إلى اللقاء أحبابي….
نسيم نجد
فعــلاً سويسرا رائـعة
و ياسلام على ها الحركات
لابــج الواحــذ يعيش تجربت الطبخ في
سويسرا
لـــي تجربه هنــاك في أحـــد الأكــواخ
و با التحــديد في وادي لوتربيرن القريب من انترلاكـــــــــن
تحياتي لك