رحلة عبر الريف الهولندي
هولند دولة أوربية جديدة سوف أجمل جوازي بختم زيارتها , إنها رحلتي التي سوف تنطلق من بون إلى اتجاه الأرض المنخفضة , بل لا يمكن أن أسميها رحلة بل هي كشته لأن الرحلة تطلق على الأشياء المنظمة , و هذا يلزمني بعمل أشياء تخل بنفسيتي قبل برنامجي , فالنظام الذي حاولت أن أطبقه على أرض أوربا قد أصابني منه الملل , فمن عاش في أرض الفوضى و نعيمها , يرفض أن يعيش في أرض النظام و جحيمه , الاستعداد بدأ من ليلة الرحلة فكما تعلمون أن شلتي التي تعرفت عليها في بون يقضون ليلهم عندي في غرفة العزوبي العربي الوحيد في تلك الأرض , فبرنامجهم يبدأ من بعد المغرب حتى ساعة متأخرة من الليل , نقضيها بما تحمله نفوسنا من المواقف الطريفة في ذلك اليوم , الآن الساعة الثانية عشر و النصف من بعد منتصف الليل , و لا تبدو عليهم بوادر النوم أو الاستإذان , لحظة , لحظة , هناك أحد الموجودين , يفتح فاه لعله يتثاوب و يعلن إنهاء الجلسة , للأسف إنه يعطس على الوضع الصامت , ويقول الحمد لله , أنا قلت في أمان الله , قال يهديني و يهديكم الله , ثم يتبعها بكلمة , أنا صحيت بالحيل عقب العطاس , فناجيل الشاي تدور بالغرفة بعدما دارت فناجيل القهوة ولا يبد أن هناك أي بارقة أمل , الآن الساعة الواحدة و عشر دقائق , و الصمت يخيم على جميع أجزاء بون ماعدا غرفة واحدة , و الأنوار تنطفئ في جميع أحياء بون ماعدا غرفة واحدة , النوم يغرق فيه جميع سكان بون ماعدا غرفة واحدة , الشخير يعلوا جميع غرف نوم بون ماعدا غرفة واحدة , الناس يفهمون التلميح في جميع غرف بون ماعدا أشخاص في غرفة واحدة , فجأة , صوت الجوال , و لا يكاد يسمع رنيه من أحد جوالات الأخوة الزوار , رن رن رن رن رن , و أنا أقول , يارب يرد , يارب يرد , يارب يرد , تنبه إليه في اللحظة الأخيرة و يحمله بتباطىء عجيب , إلحق يارجل , يضغط الأخضر ثم يقول : yes ( ذابحته أوربا ) , صوت زوجته يكاد يخرج من جهاز الجوال , بل تكاد أن ترى لسانها مع سماعة الجوال , و الزوج المسكين , ماغير يقول , طيب , إن شاء الله , طيب , سمي , على أمرك , معقولة مايعرف إلا هالجمل , ثم يقول لو سمحتي , و لا يكمل الجملة , يبدو أن الجوال قد أغلق في وجهه , الضعيف المسكين بعد تسكيره الجوال بوجهه , يناظر للسماعة , ثم يقول : شكلنا تأخرنا على النوم , مع السلامة ( انفرطت السبحه) , جميع الشلة يستأذنون , بعد خروجهم بدأ الاستعداد للرحلة , يجب أن نستدعي الحقيبة أم كاروهات , و أغسل جميع ترامس الشاي و القهوة و الفناجيل , استعداداً لرحلة هولندا , الآن الساعة الثانية ليلاً , و موعدي مع المترجم الساعة الرابعة و النصف , و يلزمني أن أستيقظ الساعة الرابعة حتى يتسنى لي أن أقوم بعمل الشاي و القهوة و أصلي صلاة الفجر , وضعت رأسي على مخدتي , وأخذني التفكير برحلة هولندا وكيف أخطط لها ( شفتوا كيف نعمل البرامج السياحية , إذا جاء الواحد ينام ) أفكر قبل النوم بالزهور التي اشتهرت بها هولندا , و أكثر ماعلق في ذهني هي صورة كبيرة في محل حلاقة قريب من بيتنا في بلدتنا , صورة كبير لحديقة ممتلئة بالورود الملونة بشكل متوازي , و عندما أسأل الحلاق أين توجد هذه الصورة يقول في هولندا خبير سفر هولندا . أرد عليه أقول إكويس هازا منزر , يقول كسير إكويس بابا , أنت فيه روح هناك , لا مافيه روح كله صديق أنا كلام هزا مدينة إتهبل , يعني كيف إتهبل , يعني يعني , بعدين أنا يجي كلام أنت , ثم مايلبث أن يبدأ بقص شعري و تأخذني التأملات و التفكير بأوربا التي لم أزرها و لم أتوقع يوماً من الأيام أني سوف أطوف بأرجاء تلك القارة , عندما تذكرت الحلاق وبلدتنا أصابني الحنين إلى العودة إلى أرضنا و إلى ديارنا وقلت في نفسي ألا تكفي الصور و يستغنى بها عن تعب السفر , على هذا المشهد أغلقت أجفاني و غابت عني جميع المشاهد , حتى دقت الساعة الرابعة , و أنا أصرخ الحلاق الحلاق , نظرت حولي فلا أجد إلى نفسي و بقايا من بقايا جلسة الأنس الجميلة , فناجيل مبعثرة , تلفزيوناً يعمل , أغراض تحتاج إلى تنظيم , رأسي في مكان رجلي , و رجلي على مخدتي , ومخدتي نصفها متدلي , و شرشف متعربد تحت ظهري , و ظهر مقوس قد انحسرت عنه ملابسه , و شرابة عالقة في الرجل , و آخرى ساقطة على الأرض , بوز طويل , نفس شينة , يدي قد أصابها التنميل من النوم المعكوس , و رأس قد أصابه الوجع من النوم على ريموت الكنترول الخاص بالتلفزيون , و التلفزيون قد أصاب مسمعي باللجيج من صوته العالي , المنبه يرن في أعلى صوته , و الجوال يؤشر معلناً نهاية البطارية , إنها بقايا من جلسة الأنس الجميلة , مع مثل هذا الوضع أتذكر إن أهم شيء في السفر التنظيم و استغلال الأوقات , جمعت قواي و دفعت نفسي عن السرير و لا أكاد أقدر أن أفتح عيني , جمعت أغراضي , حملت حقيبتي أنتظر مرور السائق في الموعد المحدد , الجو قارس , وأسناني لا تكاد تثبت من الارتعاد , لحظات الانتظار دائماً بطيئة , فقط أنا وعصافير مدينة بون قد استيقظنا في هذه الساعة المبكرة , وبعض المارة من الألمان الذين خرجوا لمزاولة الرياضة , فهذا يهرول , وذلك يركب دراجته وقد غطى رأسه بخوذة الحماية , كل شيء يبدو كصورة ثابتة , فلا حراك , السكون يخيم على المكان , لم يغير ذلك الوضع إلا صوت القطار القادم من بعيد , و يتحول الهدوء على ضجيج , و أحس بانتعاش الحياة ( حياتنا بنيت على الضجيج و الصخب , فلا يروق لي أن أكون في مقبرة كبيرة أسمها الحياة ) , من أول الشارع تظهر سيارة السائق بلونها الأحمر الساطع , نعم إنها هي , يقترب من كثيراً , كالمعتاد يستعمل طريقته المعتادة بالضغط على الفرامل , فتكاد أ
ن تكون الأشياء التي في آخر السيارة في أول السيارة , صباح الخير ياستاذي , صباح النور , ( أذكر أن إنسان عزيز علي , كان يستعد لزواجه فقال لي , ماهي الكلمات التي تتوقع أن تلقيها زوجتي العزيزة علي في أول أيام حياتي , قلت له شوف يأخوي , ماعندنا سوى كلمتين صباح الخير و صباح النور و مساء الخير و مساء النور , حتى أن النور سوف يكشح في عينيك ابد الدهر , مثل نور الزينون , قال يعني الكلام ألي في المسلسلات ماراح أسمعه , قلت مثل إيش , قال يعني مثل : ياعمري أنت ياحياتي , يأجمل مافي الوجود , قلت له نعم سوف تسمعها , عندما تريد منك أن تأتي بأغراض أو تحتاج أن تخرج الزبالة , أو تريد منك أن تذهب بها إلى أهلها , قال عجيب , إذاً ماذا أقول لها , قل لها ياعمري ياحياتي يأجمل مافي الوجود , ماراح تروحين لهلك و لا تعتبين البيت , وش رأيكم بالنصيحة , النصيحة واجبة , و أهم شيء التفاهم الأسري و الأخلاق ) , بعد صباح النور , اتجهنا مع الطريق الذي يشق حديقة بون الكبيرة , وعبر النهر في الطريق المؤدي إلى مدينة كولون , سبحان الله إن الإنسان يألف ويعشق و يحن للمكان الذي عاش فيه و له فيه بقية من ذكريات ,
عندما غادرت بون و نحن في الطريق الطالع , وكانت الشمس ترسل أشعتها من جهة المشرق و كأنها خرجت من الأفق لتودعنا أو لترافقنا في رحلتا , كنت أشاهد كل المعالم و أتذكر كل المواقف رغم أني سوف أذهب لمدة قصيرة إلى هولندا ثم أعود مرة أخرى , أشاهد كل شيء حتى الأشياء التي كانت لا تلفت انتباهي أصبحت أدقق فيها و تشد كل حواسي , ألقيت نظرة أخيرة قبل أن نتجه إلى الطريق السريع , ثم تنهدت بتنهدات أخرجتها من صميم صدري , التفت إلى المترجم و الحزن يخيم علي , قلت له بنبرة حزينة , وبكلمات لا تخرج مني إلا بصعوبة , كم هي جميلة هذه المدينة , فيقول : لكان , قاتل الله البرودة بالأحاسيس ( هالحين أنا ضايق صدري و لا أجد من كلمات التعزية إلا هذه الكلمة التي أصبحت أكرهها كما لم أكره شيئاً من قبل ) . كان الطريق الذي سلكناه إلى هولندا مزدحم جداً فكأنك في وسط البلد . إن أجمل ما يمكن أن تشاهده في الرحلة إلى هولندا هو الريف الهولندي , فمن يسافر إلى هولندا و يصل مباشرة إلى أمستردام عبر الطيران , فلم يشاهد أجمل مافي هولندا , كنت لا أمل من الاستمتاع بتلك المناظر فمزارع البقر التي اشتهرت بها هولندا تجاور الطريق منذ أن خرجنا من جبال ألمانيا , فأرض هولندا منبسطة و مثل تلك الأراضي المنبسطة تناسبني فأنا لا أميل للجبال و الأماكن التي تحد من النظر فأنا أريد أن أنطلق ببصري و نفسي و أسبح في فضاء و اسع بلا حدود , يالها من أماكن تكسب النفس بهجة و سرورا ,
فالأنهار و القنوات المائية لم تفارقنا طوال الطريق , و مزارع الأبقار ترسم لوحة لطالما شاهدتها في المناظر الطبيعية المعلقة , و لم تمر علي مثل تلك المناظر و لا بأحلامي السريرية ,
عندما ترى كوخ من بعيد , و تشاهد بجانبه مطحنة هوائية , و من حوله نهر جاري , و الورود بأشكالها قد زينت ماحول البيت , و أرض خضراء و سماء و صفاء , وطفلة تنظر من شرفة الدور الثاني فصارت كدمية جميلة أخاذة ساحرة , فتأكد أنك في الريف الهولندي , أو عندما تشاهد رجل يركب دراجته و من خلفه كلب صغير يلهث فأعرف أن هذا الرجل في نزهه في ذلك الريف , عندما تشاهد كهل و عجوز قد جلسا على كرسي متأرجح يسامرها و تأنس بحديثه عن أيام الشباب , فأعلم أن لهما أياماً جميلة في الخوالي بين أشجار و أنهار و أزهار ذلك الريف , إن منظر الريف الهولندي هو الجمال الحقيقي للطبيعة , بل هو الطبيعة بعينها , و ليتني سكنت فيه أو قضيت فيه بعضاً من وقتي فكل الأشياء التي اشتهرت بها هولندا تجدها في مزرعة واحدة ,
( لا أخفيكم عندما تفاجئني مثل تلك المناظر أصمت قليلاً , ثم أقول , اللهم أرزقنا الجنة , إذا كانت هذه قطعة من زينة الدنيا فكيف بالفردوس الأعلى , أسأل الله أن يرزقنا و إياكم إيماناً يبلغنا أعلى الجنات , يارب , آمين ) , تمنيت لو أن الطريق يطول , فأنا أعلم أني لن أجد في الحضارة الخرسانية مايشد انتباهي مثل هذه المناظر الجميلة , اكتمل قرص الشمس وبان فوق الأرض و أرسل أشعته في كل مكان , وحانت قهوة الشروق , بعدما تعودت عيناي على تلك المناظر , جذبت حقيبة القهوة لأكمل المتعة العربية , و ناولت المترجم كأساً من القهوة العربية و التي عملت بأيادي ماهرة من أصابع نسيم نجد الذهبية , عندما أرتشف القهوة فكأني أعزف على ناي مشروخ فيكون الصوت عبارة عن صفير و شخير , تأنس بها نفسي و أعلم أنه يضيق بها صدر مترجمي العزيز , و لكن إنما القهوة رشفات تشنف الآذان و تنسى معها الهموم و الأحزان , أما أخي المترجم فيشربها فكأنما يشرب كأساً من الماء البارد , ثم يتبعها بكلمة القهوة العربية مرة ( أكيد مرة أجل حلوة ) , قلت : للمترجم أين الحدود بين هولندا و ألمانيا قال : لا يوجد حدود , قلت : التختيم على الجوازات , قال : لا يوجد , قلت : مصيبة , قال : لماذا ؟ , قلت : لأنهم لم يختموا على جوازي , قال : وماهي المصيبة ؟ , قلت : عندما أعود إلى بلدي لن يصدقني أصدقائي بأني ذهبت إلى هولندا , ثم تابعت حديثي إليه , ماعندك واسطة يختم لنا الجوازات ( إن أول الحلول لجميع مشاكلنا تبدأ بالبحث عن واسطة , و لا نعلم أن جميع مشاكلنا منبعها من الواسطة , ) قال ياريت لكن هذا مستحيل , إذاً نستسلم للأمر الواقع , سرنا في طريقنا الطويل , و تبقى القليل على العاصمة الهولندية أمستردام
أمستردام أسم جميل لتلك العاصمة , و عندما يجتمع بعض صحبي الذين لا يبلغ أكثرهم سفراً و ترحالاً , إلا أن وصل إلى مدينة الطائف , فجميل أن تقول لهم عندما كنا في أمستردام كان الجو هناك سيئ كنا نستخدم الشمسية لتمنع عنا المطر الذي يهطل علينا بغزارة , و أن الشيء السيء في هولندا هو منظر الخيول التي لا تكاد أتستقر في مكان و احد في مزارع هولندا , و أن الذي يسبب لنا صداع الرأس في تلك المزارع هو خرير الماء من الأنهار أو تغريد الطيورعلى الأشجار , أما عندما تصاب بحساسية بالأنف فتأكد أن أحد الأنواع من عشرات الزهور المنتشرة في كل مكان قد أرسلت رائحتها الزكية في الفضاء فتسببت لك بحساسية في الأنف , وأما أكلهم الذي تجده في المطاعم المفتوحة فبمجرد أن تراه يقوم بشواء مشكلات من الطيور في الهواء الطلق فمن المؤكد أن نفسك سوف تنسد و لن تتقبله , فلا أكاد أنطق بكلمة أمام صاحبي حتى تتسع فتحة فاه من هول مايسمع , فتجده ثاغراً فاه كأنه يعيش في حلم , ثم يتكلم أفصحهم لساناً و يقول : إحلف إن هذه ديرتهم , ديرتهم إتهول ورايعه و ياحلالات من سكن فيها , قال المثقف منهم بالمختصر الأنقليزي : فنطازتك , وتمطر علي الأسئلة من كل حدب و صوب , كل هذا عند الأنقليزيين , لوسمحتوا هذولا ماهم إنجليز هذولا هولنديين , طيب أنت تقول أنهم في أوربا و شعورهم شقر و هم بيضان و حريمهم ما يتغطن يعني إنقليزيين , طيب طيب , إنقليزيين إنقليزيين , إخوياي هذولا طيبين , ياحليلهم ) نحن الآن على مشارف أمستردام بل إننا نبحث عن الطريق الذي يؤدي إلى مركز البلد ,
عندما تكون في وسط أمستردام إن أول ماتلحظه هناك القنوات النهرية التي تقسم العاصمة إلى أجزاء صغيرة , و تكثر و تتوزع في المدينة كما تتوزع الطرق و السكك الحديدة في البلدان
, لم يتبادر إلى ذهني أن تلك المدينة بهذا الشكل , الأكشاش المنتشرة في كافة الطرقات ليس لها عنوان , إلا عنوان الزهور , المحلات في كافة الطرقات تتزين بالزهور لا أعلم هل هو حب للزهور أو أنه التسويق الذي يجعلهم يبرزونها بتلك الكثرة , وصلنا لمركز البلد , المكان مكتظ , الأشكال فيها من الاختلاف الشيء الكثير , الجنسيات من كل القارات , يختلفون في أشياء كثيرة , و يجتمعون بلطافتهم و توددهم للزائرين , كدنا أن ننسى الابتسامة في شوارع بون , ومحلاتها , وعلى النقيض من ذلك هنا , فالكل يريد أن يتحدث معك , و من الممكن أن تكون بجانبه حبيبته و عشيقته و ينصرف بالحدث إليك , لم أكن أقيم يوماً وزناً للتركيبات الاجتماعية و مدى اختلافها , ولم يتبادر إلى ذهني أن في تلك القارة المتجاورة في الدول اختلافات في العادات و التقاليد و الطبائع بهذا الشكل و ذلك الفارق ,
نحن في مركز البلد و نسير , و لا أعرف إلى أين أسير لكن أسير , رأيت الناس يتجهون من الشمال إلى الجنوب , فحدثتني نفسي أنهم يسيرون إلى شيء نفيس , فتتوق نفسي لرؤيته , أستعجل الخطى , ويمنعني حب استطلاعي إلا أن يوقفني عند الباعة و المحلات المنتشرة في كل مكان , أطالع في كل المحلات بل أنبشها رأساً على عقب , و أخرج منها لم أشتري منهم شيئاً ( تعلمت طريقة التسوق الجميلة هذه من النساء فهن يقمن بتقليب البضاعة كاملة لكافة المحل , و تستأذن من صاحب المحل , بطلبات متفرقة و أغراض مختلفة , فهي تطلب جميع المقاسات للأولاد و البنات من الجاكتات و أتي شيرتات و الجزمات , وصاحب المحل , في شغل خذ و هات , بل تطلب كل ماتعلق في فضاء المحل و كل ماخزن في أرفف المستودع , و عندما يضيق صدر صاحب المحل و ينطلق لسانه يقول: ماذا تريدين و نحن نحضره إليك ؟ , تقول ببرود أريد هيلاهوب أو شراب أزرق فاتح قريب للغامق , لأبنتي الصغيرة , التي سوف ترى النور قريباً , فيتمتم راعي المحل بكلمات غير معروفة , ثم يزداد غضباً عندما يسمع صوت المرأة نفسها تقول بكل برود : متى تجيبون بضاعة زينه ؟ , فهل عرفتم لماذا تكثر العيادات النفسية ؟ ) , خرجت من ذاك المحل و صاحبه يودعنا بابتسامة عريضة , انتقلت إلى المحل الذي بعده فهو عبارة عن وجبات سريعة يأخذها المارة على عجل , و اطلعت عليها عن كثف حباً لتلقي المعلومات من مصادرها و لم يكن هناك نية أن آكل و أن أمشي في طريق مقتض , أشد ماشدني فيه هو نوعية البطاطس المقلي , و لم يشدني عبثاً بل لأن أحد السواح العرب عندما سألته عن أبرز أماكن السياحة في هولندا , ذكر لي أن الذي سوف يشد انتباهك هو البقر و كثرتها , و السياكل بأنواعها , و البطاطس بشكله الغريب , ليس الغريب البطاطس بل الغريب أن هذا المسافر الكريم قد جاب الدنيا بطولها و عرضها , و كانت تلك الأماكن المشهورة بالنسبة له , صحيح أن الناس مشارب , قلت له عندما أريد أن أشاهد البقر أذهب إلى مدينة الخرج و مزارعها المشهورة بالبقر و ليس إلى أقصى الدنيا , قال : لا هناك بقر صح , وهل البقر الذي عندنا بقر غلط , هنا تختلف عندي مقاييس الصح و الغلط , فما أدري هل البقر صح أو السائح غلط , وقال إن لم يعجبك فاستمتع بمنظر السياكل المتنوعة , بل أن عندهم أدوار متعددة لمواقف السياكل , ويستخدمونها لدرجة الجنون , ( مأدري شكله ماراح لهولندا , شكله رايح لبنقلادش ) , و ختمها بكلمة لا يفوتك البطاطس , أنا قلت له البطا , طس , كخاتمة جيدة مع هذا الخبير السياحي الفذ , تنقلنا بين شوارع العاصمة الهولندية , و بين قنواتها المائية , و مبانيها التاريخية , و لا أظن أن يمر سائح دون أن يمر بتلك الساحة الكبيرة و التي تنتشر فيها القصور العريقة و يتوسطها ذلك النصب التذكاري لانتصاراتهم في الحرب العالمية ,
و تنتشر في هذه الساحة الكثير من المهرجين و تقام فيها المهرجانات المختلفة
و يتفرع من تلك الساحة الطرق المتوازية و كل طريق من هذه الطرق له طابعه الخاص بل يتنوع الرواد على حسب مقاصدهم فتلك شوارع الخنا و الحانات و المراقص و ذلك شارع و وكر للمخدرات و المتعاطين , فهم يتبادلونها بمباركة رسمية من الدولة كحرية شخصية تحترم و تصان و تحفظ حقوقهم , و غيرها من الشوارع و المناظر التي تذكرك بنعمة الإسلام , لا يهمني كيف كانت شوارعهم أو قنواتهم المائية أو كيف ستكون , المهم أني أضفت دولة جديدة في دفاتري الشخصية , و سجلت ذكريات جميلة عن دولة شغلت بالي كثيراً , و تنعمت بمشاهدات الريف الجميل , فمن زار هولندا و لم يطلع على ريفها فهو لم يزرها , في الختام : لا أحمل في قلبي الكثير من الحب لمدينة أمستردام و أحتفظ بالشوق الكثير للريف الهولندي
,
و إلى اللقاء إن شاء الله
وغدا” القريب ألقاكم بمشهد جديد و لقطة أخرى
أخوكم : نسيم نجد
www.naseemnajd.com
روابط بقية الحلقات …