اللقطة السابعة : وجبات دسمة في الطائرة
بسم الله , ركبنا الطائرة , اتجهت إلى الكرسي المخصص لصغار الشخصيات في درجة الضيافة , قَيَدُنا بالحزام أشد مايكون التقييد , بعدها حضرت المضيفة ثم قدمت منديل معطر , وتعلوها ابتسامة ترى منها ضرس العقل ,فاعتقدت إنها ممكن تقبل رأسي و تقول : مساك الله بالخير ياعم , فعلى تلك الضحكة قلت : جايز تكون من الأقرباء مع فارق الشكل , و اللون , و الطعم , طبعاً لصالحي , كنت أتوقع إن الابتسامة مخصوصة لهذا الرجل الشياكة , لكن يبدو إن تلك المضيفة توزع الابتسامات بسب و بدون سبب , و على الي يسوى من ” أمثالي ” والي مايسوى من حولي – واثق – , فالأشياء الجميلة يريدها الناس دائماً حكراً على أنفسهم , لا أعرف هل هي أنانية , أم حب التملك , أم عشق الأشياء الجميلة , رائحة المناديل المعطرة تنتشر في فضاء الطائرة , الجميع يمسح يديه استعداداً للقادم الأحلى , اكتمل العدد , المضيفة تغلق أبواب الطائرة بأحكام , من يراها وهي تغلق الباب لا يشك أنها كانت تعمل بالسجن العام , فمنظرها يدل على قسوة و جبروت و خوف بين عينيها , و كأنها تخشى أن يهرب أحد من السجن , بدأت الطائرة تتراجع للخلف و تبتعد عن صالة المطار و لها صرير , وما ذلك إلا بسبب السيارة الصغيرة التي تقوم بسحبها إلى الخلف , و الطائرة بكبريائها ترفض أن يتحكم بها من هو أقل منها , فمثل الطائرة و تلك السيارة مثل التيس عند سحبته مع قرونه تجده يتمنع و يثبت قدميه في الأرض و بدون سبب أعتقد أنه تشبيه تقني بليغ , بعد عدة أمتار تخلصت الطائرة من تلك السيارة المزعجة و أخذت بالتقدم بالمدرج , عند ذلك نبه المنادي داخل الطائرة إلى وجوب الاستماع إلى المضيفة وهي تشرح وسائل السلامة , المضيفة التي تشرح وسائل السلامة ذات طول فارع , فمن طولها لو أن الطائرة سقطت في المحيط فمن المستحيل أن تغرق تلك المضيفة , ولولا مخافة الشك من الركاب لدققت النظر إلى تلك المضيفة , هل هي و احده أم اثنتين متكاملتين مع بعضهما , الغريب أن أغلب المضيفات في تلك الرحلة من ذوات الطول الفارع , و لهن المقدرة على المرور من بين الركاب و هن على سرعة عالية , تعتقد عند الوهلة الأولى بحصول تصادم بينهن , و لكن بأجسامهن الرشيقة يتم المرور سلاسة و بلا ملامسة مثل القطارات السريعة , و ما هو توقعكم لو أن المضيفات من نسائنا فهل تستطيع الواحدة منهن أن تمر مع الممر , أنا أتوقع تستطيع أن تمر , و أنت ماذا تتوقع ؟! , لا تخاف جاوب , عيناي ترقبان تلك المضيفات و تتابعان حركتهما السلسة ” عيني عليكن باردة يالمضيفات ” , و لقد خشيت عليهن , و فكرت أن أعطيهن ماء مقري فيه لتستخدمه إن أصابها مكروه . نعود لوسائل السلامة , للمضيفات مقدرة غريبة على التعبير من خلال و جهها – كسائر الأوربيين – و على وجوب إتباع و سائل السلامة , فعندما ترينا كيف نربط حزام السلامة تجدها تشد على أسنانها كأنها تقول أسمع يابن اللذينا : يجب أن تكون أنت و الكرسي قطعة واحده , نحن نتفاعل معها وهي تزيد بالجرعة , ونتفاعل , وتزيد بالجرعة , أما عند حالات الاضطرار التي من المحتمل أن تمر بها الطائرة فهي تخرج الأكسجين من تحت الكرسي , و تغمض عينيها كأنها في حالت سكرات الموت ( أثناء مشاهدتي لها كانت هناك كلمة قاب قوسين أو أدنى من لساني , أحسست أني أريد أن أقول : رجعوني لأمي , غريبة الإنسان مهما كبر فهو عند حالات الخوف يطلب الأم التي هي مصدر الحنان رغم أنه من المفروض أن يطلب الأب لأنه هوا مصدر القوة وليست الأم , أنا سوف أعلم أبنائي أن ينادون أباهم عند الخوف , أعتقد حرية شخصية ما أحد يعترض عليها خاصة و نحن في طريقنا لأوربا أرض الحريات ) , نعود للمضيفة , ثم بعد ذلك تربط نفسها بسترة النجاة و كأنها تقول إذا سقطت الطائرة فأختر لنفسك المكان المناسب , إما في المحيطات مواقع الحيتان , أو في الصحراء موقع الحيات , أو في الأدغال موقع الغابات المظلمة و الحيوانات المفترسة ( أنا أستغرب لماذا سترة النجاة الله لا يقدر شر , إذا و قع الفأس بالرأس لا ينفع لا سترة نجاة ولا غيرها , تبي تشقلب بالجو الين تطيح على رأسك , تطيح بمحل ديبان ديدان ذيبان , مو مهم , الشر برى و بعيد عنا و عن السامعين و القارئين ) ومن المصائب التي تروع الإنسان عندما تبدأ المضيفة بالشرح , أشكال المضيفات فتجد الواحده منهن قد تلونت بخلطة من الألوان ” دهانات دايروب ” على وجهها تزيد من رعبك و خوفك من المجهول , فما فوق العيون أزرق قاتم , وما على الخدود وردي فاقع , و ما على الشفاه أحمر شافع (الشافع درجة أعلى من الفاقع و تحت الباقع , معلومة ذكرها لي دهان بويات ) و طول فارع , و شعر ذهبي و رموش منصله , لا تملك مع هذه المواصفات إلا أن تطلب من الله الستر و السلامة , و آه لو فيه خطوط جوية شعبية تكون المضيفات من حريم المسلمات بنات الجواد , تكن متغطيات و لابسات عبايات و محنيات أيديهن , و تقدم لك دله قهوة و إبريق شاهي و تميرات , و إذا صار مطب هوائي قالن : تجودوا ياعيال الجواد و ويقولن بسم الله عليكم و الله يحرسكم , مو هالحمص اللمص هالطوال المهبل ) بعدما انتهت المضيفة من ترويع الركاب بوسائل السلامة , بدأت الطائرة تزحف على المدرج , و تمر من بين فوانيس الإضاءة بهدوء , كأنها عروس تزف إلى عريسها وسط ترقب الجميع , الجميع يقرأ الجرائد , و الجميع لا يفقه مايقرأ , فأنت الآن من أهل الأرض و بعد لحظات سوف تكون من أهل الفضاء , بدء وجه الطائرة القبيح يبدوا للركاب , فما أن تحرك المحرك و رفعت أطراف أجنحة الطائرة حتى تسارعت في المدرج , كأنها تريد أن تلتهم الأرض ( طيب ت
رفق ياكابتن لو يبنشر الكفر أو يخطم عليك أحد , أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , وسوسه داخلية , لكن محتملة ) أو تريد أن تقتلع نفسها من المطار لتحلق مع الطيور في السماء , ارتفعنا قليلاً , و بعد أقل من لحظات صرنا نحن في السماء , الآن لا ينفع الندم , الآن بدء الحنين إلى الوطن , بالأمس كنا نتأفف من شمسك المحرقة و اليوم تتحول إلى الشمس الدافئة , بالأمس نشكو أرضك المجدبة و اليوم تنتغزل بأرض المعشبة , بالأمس نتمنى تلك اللحظات و اليوم نتأفف من هذه اللحظات , آه أين تلك الرغبة الجامحة بالسفر لماذا تبدلت في لحظات , أين ماتكبدته في سبيل السفر لماذا تحول في لحظات , أين ذلك الاشتياق إلى الترحال لماذا تغير في لحظات , حلقت الطائرة في عنان السماء , و بدت عاصمتي – الرياض – تصغر على الأرض و تكبر في نفسي حتى أنها تكاد تمزق أضلعي , إني أحبك من أعماق قلبي يا رياض القلب , إني أغبط ما أراه من أصحاب السيارات الصغيرة الذين يسيرون في شوارع العاصمة كالنمل يدبون على الأرض , أريد أن أصرخ إليهم تمتعوا في بلدكم فكم من محروم في أعالي السماء يتمنى موقعكم , و لكن أحلامي لن أصل إليها , ولن يصل إليهم ندائي ,خلال هذا الوقت كابتن الطائرة لا يرحم فيزيد من سرعته كأنه يريد أن نغادر أرضنا بلا تأمل , كأنه يخاف أن نرجع في كلامنا و نطلب العودة إلى أرض الوطن , حسبي الله عليك , وداعاً أيتها الأرض الندية , وداعاً أيتها الرمال الذهبية , وداعاً أيتها الأشجار الباسقة , وداعاً يا سماؤنا الصافية , في مثل هذه اللحظات أحسد الأطفال , الذين يعبرون بما يشعرون به بالبكاء بلا خجل أو وجل , ليتني أبكي دموعاً و لا أبكي حسرة وحرقة و ألم ,فأعذروني على أشجاني و همومي التي أزعجتكم بها , و كل مرة أمر بهذا الموقف أحرم السفر للخارج و أعود إليه مرة أخرى , لكن إنما أخذ اسم الإنسان من النسيان , ابتعدت الطائرة , و الشمس كأنها تغازلنا فمرة ترسل أشعتها عبر النافذة اليمنى , ومرة تميل علينا من النافذة اليسرى , كأنها تريد أن تتمتع برؤيتي من جميع الجهات , يالها من أشعة دافئة , أرادت تلك المضيفة أن تعيد التوازن للركاب فقدمت عصيرات مختارة مع قطع البسكويت , و إن كانت حلوة المذاق فمرارة الفراق لم تزل تجوب في صدري , أثناء ذلك فكرت بالخطوط الشعبية لعلي أن أسلي نفسي , و فكرت لو أن هناك خطوط شعبية , لكان من الممكن أن يقدمون حليب النوق بدل العصير , وبدل البسكويت ًبقلً أقط , أخذ الهدوء مسكنه بين الركاب و بعد فترة زمنية ليست بالقصيرة قدمت وجبات العشاء مع العصير , فكأنهم يأسوا أن ينام أغلب الركاب , وعادت فكرة البديل الشعبي كحل مقترح للوجبات فكانت القائمة يترأسها الجريش و العصيدة و المرقوق و المطازيز كبائل مفضلة للوجبات المسخنة و التي يمضغها الفكان على مضض ,و بعيد فترة طويلة كانت قهوة المساء بانتظارنا, فأخذت أطالع في أحد الكتب المختارة , حتى تحينت الوقت و فتحت غطاء النافذة فوجدت أن الشمس قد بدأت بالبزوغ بعد ليل دامس نهضت من الكرسي و توضأت لصلاة الفجر , ثم اتجهت إلى المضيف فطلبت منه أن يحدد اتجاه القبلة لصلاة الفجر , تكرم مشكوراً بفرش الأرض بالغطاء باتجاه القبلة , و أديت سنة الفجر و من ثم الصلاة ,فسكنت نفسي و أطمأن بالي , فبإخوتي إن أفضل الأشياء أن تصلي وأنت معلق بين السماء و الأرض , تسجد على أرض الطائرة و أنت في السماء , تدعوا رب السماء و تناجيه و تطلبه العون و التسهيل منه , إنها لحظات إيمانية عجيبة , أأنس بها و تألفها نفسي و ينشرح لها صدري وتزيل الكثير من الهم والعناء عن نفسي الضعيفة , ومما يحزنني أن الطائرة مليئة بالركاب المسلمين و القليل منهم من يصلي , فكم للشيطان من صيدات وكم للإنسان من الحسرات , أخي إن الاعتزاز بالشعائر , و الحفاظ عليها هي من السمات التي يجب أن نحافظ عليها و نتبناها و نعلمها و نتعلمها , وأن لا نجامل في أمر ديننا كائن من كان , أذكر عندما كنا في بركسل و حان وقت الصلات طلبت من السائق العربي الوقوف في حديقة القوس لصلاة العصر , و حاول أن يؤجل بعذر أن في الوقت سعة و أنه يمكن أن نصليها مع المغرب , فرفضت , و أذن و أقمنا الصلاة أمام الزوار و لم يعترضنا أحد أو ينهانا أي بشر , وعندها قال السائق إن الإنسان ليشعر بالراحة النفسية عند أداء الصلاة في وقتها و بالاعتزاز بنفسه عندما لا يعلقها بالبشر , نعود إلى الطائرة , تتابعت الوجبات الغذائية فحلوى مختارة أو بسكويت , وعند ختام الرحلة آيس كريم نهاية الرحلة حتى نبرد على قلوبنا حر تلك اللحظات الحزينة أو القاسية , الآن بدأت الطائرة تخترق ركام السحب , في منظر يدل على عظمة الخالق , ومن بين أجزاء السحاب المتناثرة ظهرت بقع خضراء متباينة الألوان , يخترقها أنهار متفرعة تجتمع ثم ما تلبث أن تتفرق كأنها تتسامر أو تتحاور , وعلى جانب الأنهار قرى يعلوها لون القرميد الأحمر , وسفوح الجبال مكتسية بالغابات الكثيفة , كل هذا الجمال يغازلني و يحاول أن ينسيني جمال بلادي القاحل , فتأبى نفسي إلا الحنين لتلك الأراضي الشهباء , و الأودية الجافة , ومناظر أشجار الطلح و السدر , وفمنر أشجار بلادي عزيزة على نفسي رغم أن رياح الصيف لم تبقي فيها ورقة واحدة , إنما هي سيقان و فروع و أغصان , و يرقد تحت تلك الأشجار أشجار الرمث التي تعشق بلادي كما تعشق الأرض ضوء القمر , وكما تعشق الأرض اليابسة قطرات المطر , أخذت صور الطبيعة تكبر في عيني مع اقترب الطائرة من الهبوط في ارض المطار , فالأشجار تبدو في صورتها الطبيعية , و المدرج يكاد يحتضن ا
الوسومboon ألمانيا أهم مدن ألمانيا أوربا الإتحاد الأوربي البنية التحتية الراين الشعب الألماني الشقق الشقق في ألمانيا العرب في ألمانيا العلاج العلاج في ألمانيا القطارات في ألمانيا النظام في ألمانيا امستردام برلين بروكسل بلجيكا بون ديسلدورف روتردام سور برلين شقق صور من ألمانيا فرانكفورت ماينز . علاج مزارع العنب ميونخ نهر الراين هولندا وسط أوربا
شاهد أيضاً
700إحداثية لمعالم ومزارات وحدائق وأسواق الدول التالية : تركيا – فرنسا – سويسرا – النمسا – إيطاليا -ألمانيا
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها السادة هذه مجموع الموضوعات التي …