اللقطة السادسة : نسيم نجد باللبس الأفرنجي
التحول من اللبس العربي إلى اللبس الافرنجي أيضاً له حكاية و لقد تم في مطار مسقط , و تحديداً في مسجد المطار , بطبعي أنني أريد أن استمتع باللبس العربي أطول وقت ممكن , و هذا نتيجة عشقي ألا محدود للثوب الأبيض و الشماغ العربي مع تكمتله بالعقال مع النعال الزبيريات , نعم ممكن أن أكون غريباً في عشقي لهذه الأشياء و لكن حب خالص يجمعني مع تلك الرموز العربية و أعتز بها و أهواها من قلبي ( آه لو يتم تفصيل شماغ و ثياب عربية وزبيريات للنوم ) , عموماً ذهبت للمسجد صليت صلاة المغرب و العشاء , ثم رجعت إلى الصف الأخير نظرت جهة اليمين ثم جهة الشمال و أعلى و أسفل , فلم أجد أحداً , إذاً الوقت مناسب لتنفيذ العملية , أنزلت العقال من قواعده سالماً , ثم قلت للشماغ وداعاً , و جاء دور الثوب فإلى لقاء قريب أيه الحبيب , عندما أنزع تلك الأزرة أحس أني أنزع شيئاً من نفسي , لكن أمر الله تام فوداعا أيها الثوب , ( أشوفكم مستانسين و أنا قاعد أغير ملابسي , غض البصر يا رجل ) هنا توقفت عن نزع الملابس , لبست البنطال , و الجاكت الأسود مع قميص مناسب , وحزام فيه من الشياكه الشيء الكثير , و جزمه غالية الثمن ( المعذرة على عدم ذكر السعر ) , و لم ينقصني سوى الكرفته و التي تركتها عنوة , رغم أنني كنت أريد أن ألبسها مرة في الحياة , و عندما أكون متضايق أو معصب في موضوع معين أضع يدي على ربطة العنق , و أقول كما في المسلسلات” أنا حاس إني بتخنق ” كانت أمنية رفضتها بنفسي , لأنه ليس من المعقول أن يضع مرءٌ عاقل حبل برقبته , أدخلت الملابس العربية في حقيبة اليد بالمكان المخصص للأغراض الشعبية العربية , فبجانبه يرقد بعض الطب الشعبي العربي – عويدي – مرة – فكس – لهوم خاص بالتقلبات المعوية من الأكلات الأوربية , وهذا اللهوم هو خلطة سرية خاصة لعلاج تلبك المعدة من محلات الوجبات السريعة بالخارج , و هو مناسب و مجرب ومن أراد منه عينة فمن الممكن أن نفزع له عند أهل العطارة وهم أهل دراية بهذا الفن , وضعت الملابس في ذلك الركن وقلت لهم نوماً هادئاً أيها الزي العربي الأصيل , و أيتها الأعشاب العربية القديرة , ألقيت عليهم نظرة أخيرة , دمعة أخيرة , قبلة أخيرة , سحبت السحاب عليهم في سجن مدته عدة أيام لا أعلم فيها من المسجون , هم أم أنا , اتجهت إلى دورات المياه , وقفت أمام المرآة نظرت إلى نفسي لم أعرفني , فأنا بالافرنجي أحسن مني بالعربي ( وينك يم العيال تشوفين هالجمال , والله إني كلي ملح , ً ساسا ً , الغزال بعين أمه غزال الرجاء لا حد يغلط ) , أحسست أني إنسان آخر , الشعر مسرح على الجنب , لبس إفرنجي , جاكيت مفتوح يظهر من وسطه قميص رائع , و بنطال بمحزم أنيق ينتهي عند جزمه محترمة , رغم أنه لا يوجد بالعرف جزمة محترمة أو غير محترمة , يعني لو تقول لواحد ياجزمه عادية , كان غضب عليك , أو تقول له ياجزمه محترمة أو يا أحلى جزمه بالوجود برضه يغضب عليك , فخري بنفسي يزيد من ثقتي , و ثقتي تزيد من إعجابي بهذا التغير الذي طرء على هندامي و كلما تذكرت صورتي التي في المرآة و ذلك التغير كررت في نفسي ” ياسلام على الشياكة ” , و لعل بعض القناعات تبدلت و بدأت أغير كلامي و فكرتي عن اللبس العربي , فياليت أهل الاختصاص و المعرفة يفصلون جاكيتات و بناطيل وكرفته للنوم حتى ننعم بها أطول وقت ممكن , هنا وقفت موقف مراجعة للنفس , إذا كنت بتغييري بعض ملابس غيرت الكثير من مبادئ , فكيف يكون الحال عندما أعشر القوم , و ألبث بينهم ردحاً من الزمن , لكن الذي ألاحظه أن فيها تغيير لقناعاتي , و ردت نفسي المعذرة لتقول الشعارات و القناعات تتغير دائماً و بسرعة , فكل من حولنا يستبدل قناعاته و مبادئه مع لبسه ثوبه كل صباح , و أنت عود من حزمه , إذا ليست مهمة القناعات و لا المبادئ , أهم شيء أن تستمتع بالرحلة , أحسست أنه تعليل مريح لبعض الوقت و يجعلني أطرد تلك الوساوس كما أطرد حشرة تدور حول رأسي و تزن في أذني , عادة حالة الفخر لتملأ المكان مرة أخرى ,و كل لحظة و أختها , أنظر إلى نفسي و أتأمل لبسها , و كل الذي أخشاه و أخاف منه هو أعين الألمان , الذين سوف يفاجئون بهذا الجنتل مان , ( خايف يعطوني عين , وخايف ما أسلم من مناظر بناتهم الله يعافينا و ياكم , ويقولن الألمانيات و ش هالمملوح منهو أولده ) خرجت من دورات المياه إلى صالة المطار , و أنا كأني خارج إلى مسرح كبير يغص بالجماهير , كيف سيقابل الإنسان هذا الجمع الغفير من البشر , سوف أكون مترابط الجأش , ( حلوه كلمة مترابط الجأش ) , أتوقع عند دخولي إلى ساحة المطار أن يعج الناس بالتصفيق و التصفير لصاحب الزي الفريد الذي ظهر فجأه و خطف القلوب و الأبصار , و كان يتبادر إلى ذهني هتلر ( ألماني من الجماعة ) عندما يخطب بالناس , سوف أكون مثل هتلر سوف أصرخ حتى تظهر عروق رقبتي , وحتى يضن من يراني أني أقطع نفسي من أجله , أو أريد أن أنحر نفسي عشرات المرات في سبيله , وسوف أرفع يدي مثلما كان يفعل , سوف أشعل الصالة و أحرق الأكف و الأفواه من التصفيق و التصفير , إنه يوم غير عادي بالنسبة لي و للناس , لكن…لكن… لقد أعجبني تصنع الناس للثقل في نظراتهم إلي في المطار , فلم يلتفت منهم أحد إلي , فالهدوء يحيط بالمكان , الكل لاهي بنفسه , هذا يطلب و جبة من مطعم الوجبات السريعة , هذا يرتشف القهوة , آخر يتبادل الحديث مع صديقة , أما أسوأهم من كان يغط في سبات عميق , الوضع ليس بالسيئ جداً , بل مقبول إلى درجة ما , هذا مانريده , نريد أن نكون مثل الغربيين , كل إنسان عايش بحاله لا يهتم من شان الآخرين بأي شيء , مهما كان هول هذا ال
منظر أو مدى جاذبيته , مررت من بين المقاعد كأي و احد من الناس , يدي تمسك بالبنطال حتى لا يقع ( البنطال مقاسه كبير درجة واحدة , الاحتياط لازم علشان لما ألبس ملابس داخلية في أوقات البرد يكون المقاس مناسب ) , و اليد الأخرى فيها حقيبة اليد , جالت في خاطري فكرة أن أضع حقيبة اليد فوق رأسي كطلاب الابتدائي أو بائعات الحمص و الفصفص في شوارع مكة , تراجعت عنها , بدأت أصغر عند نفسي , حتى ضننت أني لن أقدر أن أحمل حقيبة يدي , بل لن تستطيع أكتافي أن ترفع ملابسي , بل محتاج أن أمسك بالبنطلون بكلتا يدي , مأسهلك يابن آدم , وما أصغرك , لقد خرجت من حلم الجاذبية , إلى الواقع الذي يفرض نفسه بلا مجاملة , رغم هذا وذاك ليتكم رأيتموني باللبس الأفرنجي كم أنا جذاب ( مشكلة لما الواحد يكون مقتنع بنفسه لا يمكن يصدق أي أحد يخالفه , و أعطيكم قاعدة في هذا الموضوع ما فيه إنسان يناظر بالمرآة لنفسه و لا يحس بالإعجاب بل يمكن يعتقد أنه أجمل من يوسف عليه السلام )
وغداً القريب ألقاكم بمشهد جديد و لقطة أخرى
أخوكم : نسيم نجد
www.naseemnajd.com
روابط بقية الحلقات …