مقدمة :
هذه قصة دارت رحاها بيني و بين أخوتي الأعزاء فقد سمعوا خبراً مفاده أنني سوف أسافر إلى أسبانيا , و لما علموا بهذه النية أقدموا يضحكون و يستبشرون بتقرير عن تلك الديار , و هم يعلمون أن صديقي و أخي العزيز / الشاب دائماً ما كان يدعوني لأن أزور تلك الديار , و كانت دعوته ترد بإعتذار ثم إعتذار , و لكن أبو ريان خبير في الأراضي السويسرية , و محبُ لأرض الطبيعة يعلم أن هناك فرق شاسع بين أسبانيا و سويسرا من حيث جمال الأرض , و يعلم مدى عشقي للطبيعة السويسرية , فأخذ يقهقه فرحاً بأنني سوف أكون بأرض أخي الشاب لأفضح أرض تلك الديار , فدارت هذه القصة بكامل فصولها التي بين أيديكم أضعها فلعلها تعجبكم :
ابو سلطان و هو الذي بدأ بتحريك المياه الراكدة فقال :
رحلة نسيم نجد إلى وادي الحجارة .. إنها كأغنية تصدر من قيثارة!! ..
جرت العادة أن يكتب الرحالة رحلاتهم بأنفسهم إلى الدول والبلدان التي يزوروها .. كما جرت العادة أيضا أن يكتب الرحالة عن رحلتهم بعد أن يعودوا منها .. وأنا هنا سوف أكسر هذه القاعدة .. واكتب رحلة نسيم نجد إلى وادي الحجارة نيابة عنه .. وكذلك سوف أكتب عن رحلته قبل أن تتم!! .. فإلى تفاصيل الرحلة باختصار .. قبل أن يحل الليل وتطلع شمس النهار!! .. وإليكم البداية قبل أن تبدأ النهاية ..
يحكي في قديم الزمان .. وسالف العصر والأوان .. أن عضوا قديرا .. بصمته في المنتدى بلسما وحريرا .. يتقن فن الهزل كما يتقن فن الجد .. اطلق على نفسه في هذا المنتدى إسم: نسيم نجد!! .. كان هذا النسيم .. ويتوسط اسمه الحقيقي حرف الميم!! .. يسخر من ديرة أطلق عليها ديرة الحصى!! .. لها في هذا المنتدى أتباع ومحبين بعدد الرمل والفصى .. فتحت لها في المنتدى بوابة .. ويشرف عليها ويكتب فيها مجموعة متحمسة وشابة!! ..
ديرة الحصى هذه يا سادة يا كرام .. قريبة الشبه من أرض الشام .. إلا انه لا ينبت فيها زرع كثير .. عدا أنه يوجد فيها قصر أثري كبير .. تشتهر بمصارعة الثيران .. ويطلق على ساكنيها شعب الإسبان!! ..
كان نسيم نجد هذا الرجل رفيع الشآن .. يشاركه في ذلك أبو ريان .. دائمي الاستهزاء بالبلد ومن يحبها من الاصحاب .. والتي يعشقها عضو في المنتدى اسمه الشاب!! .. وكلما حاول الشاب أن يجذب بقية الاعضاء للبوابة .. رماه نسيم نجد بكلمة وثابة .. وقال له وهو يزم شفتيه .. ويقلب شزرا عينيه : أتريدني أن أذهب بمحض إرادتي إلى ديرة الحصى؟! ..كلا والذي توعد بالنار من تجبر وعصى!! .. مالذي يوجد في أسبانيا؟! .. مجرد قطع من الآثار واشجار فانية!! .. لن أفكر بزيارتها ولو لساعة أو ثانية!! ..
ولأن عاقبة الاستهزاء وخيمة .. والبلاء عندما يحل يسقط عمود الخيمة .. فلقد وقع نسيم نجد اسيرا لحادثة جسيمة!! .. إذ كتب الله عليه أن يزور تلك البلاد الحارة .. بل ويمكث في مكان يقال له وادي الحجارة!! ..
فهل رأيتم أخوتي عظم البلاء؟! .. عندما يمنع القطر من السماء!! .. واصبح نسيم نجد بعد جمال بون وزيلامسي .. أسيرا لوادي الحجارة يصبح فيها ويمسي!! .. نسأل الله أن يفك أساره .. وان يصبره على صعوبة العيش في ذلك الوادي أو تلكم الحارة ..
ومن يدري؟! .. قد يبيع أبو محمد المنتدى وما يحتويه داره .. ويحوله المشترى من منتدى سياحي إلى كسارة!! .. يقص فيه الرخام .. وتباع فيه برأس مالها الحجارة!! .. عندها سوف يتوسل نسيم نجد أن يفك أخونا الشاب قيده وأساره .. ويعرف أن أسبانيا بحر لا تعرف قراره!! .. فإن أردت بحرا .. فعندك البحاره .. وإن أردت برا .. فهذه العبارة!! .. وإن أردت شجرا فسوف تاتيك البشارة!! .. أرض يعرفها التاريخ ونعرف نحن قراه وأمصاره .. ضيعوه أهله عندما باعوا الغالي بحفنة من قذاره ..
اسبانيا أو الأندلس أو الفردوس المفقود .. كلها أسماء نتوقف عندها كما تتوقف سيارتنا عند الأشارة!! ..
وهكذا يا إخوتي انتهت هذه الحكاية .. ومن يدري قد يجعلنا نسيم نجد نعيش فصول الرواية .. عنوانها وإن أبي سيكون : رحلة نسيم نجد إلى وادي الحجارة .. إنها كأغنية تصدر من قيثارة!! ..
دعواتنا تصحبك يا نسيم نجد .. وانت ذاهب لبئر لا تعرف قراره!! .. وليسجلني الشاب عنده بأنني عضو أعشق تلكمو الحجارة!! .. وإن كتب الله فسوف أزور تلك البلاد راكبا حمار .. أو راكبا طيارة!! ..
والسلام عليكم ورحمة الله ….
ثم أكمل ابو سلطان و أتبع فقال :
نسيم نجد يتعلم الشطارة .. ويرسل لكم تقريره من وادي الحجارة!! .. وهو على استعداد لتزويد المقاولين بما يحتاجونه من الكسارة .. حجر اسباني فاخر لكل من يريد أن يزين داره!! ..
هذا العنوان يا سادة ياكرام .. فصل فيما يمكن أن يحدث لأخينا الهمام .. نسيم نجد صاحب المحبرة والاقلام .. عندما يبدأ في كتابة عذب الكلام .. مستمدا من الله العون ممسكا بحبل الاعتصام .. جعله الله من اصحاب دار السلام .. الذين ذكرهم في سورة الأنعام .. المؤمنين المتقين أصحاب الصراط من الأعلام ..
فأسبانيا حسب ما يراه صاحبنا وصديقنا .. وهو أمر لا يخفى عليكم ولا يسبب ضيقنا .. أرض تعشق من يعشقها .. كيف لا ولنا فيها ذكريات وذكريات .. وروايات وحكايات .. تعرض فيها المسلمون لمحاكم التفتيش .. ومارس عليهم الصليبيون أقسى أنواع التطفيش!! .. بعد أن كانوا سادة للبلاد .. وموكول لهم أمر التصرف في شؤون العباد .. بزغ نور حضارتهم حتى شمل الحاضر والباد .. فسبحان من يجعل الأزواج آحاد
لقد كان نسيم نجد يتجنب اي ذكر لهذه الديرة .. خوفا من أن يزل لسانه ويطيح في دحديرة!! .. ولكنه أسر ببعض مشاعره لبعض خاصته .. بأن ديرة الحصى لن يبني فيها منارته!! .. ولن يزورها حتى ولو طلب منه ذلك أبناء حارته!! ..
وفي يوم من الايام .. شح فيه المطر .. وقل فيه القطر .. وازداد فيه الضيق والحر .. وأثناء بحثته عن من يجيبه عن السؤال .. وأبحر في الانرتنت عله يجد إجابة في الحال .. وفجأة وجد الشاب أمامه .. فحياه وقدم السلام والترحاب أمامه .. وقال له : أخبرني أيها الشاب .. يا خير الأصدقاء والأحباب .. سقاك الله من السلسبيل ورزقك خير الطعام والشراب .. قل لي بالله عليك أين يقع المكان الفلاني!! .. فأنا مضطر للذهاب إليه ولا أريد أن اسأل عنه أحدا ثاني!! .. فأجابه الشاب بكل حب .. وبعد أن تخلص من بقايا القشر واللب .. إنها يا نسيم .. تقع في وادي الحجارة!! .. وقاك الله من كل شر وضيم!! .. يا حظك .. سوف تذهب لمكان يذهب عقل كل حليم!! .. إنه أشهر وادي في أسبانيا .. أين منه الغابة السوداء في ألمانيا!! ..
فجع نسيم بالخبر .. وانقبض صدره عند سماع كلمة حجر!! .. فكلام أبا ريان عن اسبانيا شاع وانتشر!! ..
لقد تحققت مخاوفه وكتب الله عليه زيارة تلك الديرة .. لا شك أنها مؤامرة خطيرة شريرة!! .. ولو سمع أبا سلطان .. أو أوصل له الخبر أبا ريان .. فمؤكد سيجتمع علي الصديقان .. ويلتهمانني بتعليقاتهما ورسائلهما كما يلتهم الأسد الحصان!! ..
لا تأخذ أيها الشاب كلامي عن اسبانيا على محمل الجد .. فأنا أقول شيئا واقصد به الضد!! .. إن وادي الكسارة!! .. اقصد أن وادي الحجارة .. جنة الله في أرضه .. وامور يبتلي بها الخالق عبده!! .. فلنا الصبر والاحتساب .. لعله يفتح في تلك الحجارة إكتتاب!! .. وتصعد أسهمها كما صعدت أسهم ينساب!! .. وأوزع تقريري وصوري عنها على أعضاء المنتدى بلا حساب!! ..
سوف ننتظر معك يا نسيم نجد التقرير .. كان الله عونا لك ونصير .. وأبعد عنك كل شيطان شرير .. ووقاك الله اليوم العبوس القمطرير .. وبلغك مرادك وأنت مرتاح متسدح على السرير!! ..
والسلالم عليكم ورحمة الله ….
بسم الله الرحمن الرحيم
الطريق إلى وادي الحجارة
نسيم نجد يبدأ بشرح قصة معرفته بالشاب و البداية للتعلق بتلك الأرض :
أحبابي و أصحابي أصحاب عشاق الدولة الأسبانية…لكم من القلب ألف تحية…محملة برائحة الفل و الياسمين و معطرة بكل رائحة زكية….أتيتكم لأخبركم الحكاية …حكايتي من البداية حتى النهاية…حكاية عن شاب يريد زيارة بلد الأسبان و موطن العشاق للمتقدمين و المتأخرين من الفتيان… هي للمسلمين شاهدٌ و مكان ….و لحضارتنا دليل على مر الأزمان…فيها عبرة… فيها عظة… فيها أننا أمة …بل خير أمة أخرجت للناس على مر العصور و الدهور….قصتي التي لم تبدأ فكتبت…بلدتي التي لم أرتحل إليها فصورت…بدايتي التي لم ابتدأ بها فسطرت .
البداية …
عندما التقيت بأخي الشاب في أول لقاء قبل سنة ونصف تقريباً ….لم أكن أعرف أن الشاب له هذا الحب العجيب لتلك الأرض…و ذلك الحماس الذي لا ينقطع لأطراف تلك البلاد….كلنا يحب ارض الأندلس…و لكن أن نكون بذلك الحماس فعن نفسي لا أصل لبعض أخي الشاب….فكان هذا الموقف الذي كتبته في حينه …و هو يصف أول لقاء لي مع أخي الشاب ….فقلت و عبرت عن ذلك الموضوع بهذه الكلمات :
((( أقبل من بعيد ….شاب يقال له الشاب….و من سوء حظي أنني لم أعرف أنه الشاب إلا بعد فوات بعض الوقت على اللقاء ….و عندما دخل المقهى كنت أتكلم عن موقف طريف حصل لي مع صاحب تاكسي في تركيا….الذي قادنا في رحلة بعيدة …الذي عبر بنا الأنهار…. و صعد بنا الجبال ….و تنقل بنا بين خضرة الأرض و صفاء السماء…و كان ذلك السائق قد وعندنا أن نصل إلى مكان ….لم تشاهد أعيننا أفضل منه… و لم تحلم أنفسنا بأعز منه…ذهب بنا بعيد فيما يزيد على 400 كيلو…فلما وصلنا…كانت النهاية عبارة عن مدرج روماني …قد اجتمع عنده أوربيين من كل مكان…. يلتقطون له الصور بزوايا متعددة و يرقبون الحصى بأشكالها المختلفة…اهتمام يفوق كل اهتمام…أما أنا فقد وضعت يدي على خاصرتي…نظرت إلى الأوربيين و كيف يهتمون و يهيمون بافتراس تلك الحصون …و كيف يتأملون و بروية يطالعون تلك القلاع من المدرجات الرومانية….و استغرب كيف يقضون الوقت الطويل …في تتبع كل صغيرة و كبيرة و كل ماقام أو حل به الدمار من تلك الآثار….و بدأت أكمل مدى تعجبي من زيادة حرصهم وسعة صدرهم على مثل تلك الاهتمامات….و كان الشاب ينظر إلي باستغراب….هل هناك من لا يهتم بذلك الفن …و بذلك العلم….و بتلك السياحة….فعندما انتهيت من القصة….
نظر إلي الشاب :ثم وضع رجلاً على رجل ….فكأنما يستعد لعزف لحن العودة….عبر قيثارة الزمن….فبدأ يعزف و أخذ يجدد الآمال ….و يمسح الأحزان …عن أرض الأمل و الألم…أخذ يبحر بنا بقارب صغير ….في ليلة مقمرة …بمجدافين يمسكهما بلطف…. فكأنما يخاف أن يؤذي البحر بمجدافه….و البحر يخاف أن ينال من المركب بأمواجه…فمع التجديف و الأمواج يهتز بنا قارب الرحلة …فتتمايل أجسامنا و تتحرك رؤوسنا…كأنما بلغ بنا الطرب مبلغه…من حديثه الشائق … و مع هذا التناغم بالعرض و الطرب كأنما لبسنا حب الأندلس….حتى عدنا لا نفرق هل في عصرنا أم في عصرهم…
نعم هذا الشاب عندما يتكلم لا يتحرك فمه… بل ينبض قلبه….يسمعك أعذب مايطربك….تغرد في السماء حتى تعانق السحاب…ترحل من خلال تلك التغريدة على أرض فريدة….ترى من خلالها المياه الصافية قد ترقرقت من خلال تلك الأراضي قادمة من علوا فتكون الجداول الصغيرة…. مصدرها رؤوس الجبال….فتنساب نازلة….فتتخلل الغابات الخضراء… و تتجمع من بين الأشجار… حتى تكون وادياً ينتهي بالبحار .
عندما يتحدث الشاب…. ينتابك ألف شعور و شعور…و تحس بالوصف و كأنك تلمسه بيدك….موج هادئ يتقلب بك عبر مشاعر مختلفة…أفراح …أحزان ….آثار…..حصون …. قلاع.
ليالي أندلسية…تشم منها عبق الماضي…..شمس أندلسية ….تغازلك من بين أطراف السحب…أرضي أندلسية…فيها ألف قدم و قدم…. من أقدام الآباء و الأجداد….قوارب أندلسية تعبر بك المضيق….زخارف أندلسية…تذكرك بالماضي المجيد…..أطعمة أندلسية…..لها طعم فريد…تكثر المعاني ….و يكثر الحديث….و أفضل المعاني هي مايبرق من عيني الشاب من حب و عشق لتلك الأرض ….آه هكذا يكون العشق أندلسي….و هكذا يكون العشق العربي …عشق حتى الثمالة…يأخذ بصاحبه…إلى أعلى المراتب….و يسموا بنفسه بأفضل المنازل….بعد هذا اللقاء….عشقت الأندلس و كل من يعشق الأندلس .))) انتهى التعليق….
و لما عرفت الشاب ومدى حبه لتلك الأرض…قررت الغوص في أعماق ذلك المحب…و أكتشف كل ما يعشق…و كل ما إليه يصبوا و يطمح…قرأت كل ما وقعت عليه عيني من جميل كتبه ….فانبهرت من عاشق يرسم طريقاً لحياته فريد….و يخط لمستقبل حبة طريقاً عجيب …و اندهشت و بنفس الوقت فرحت أن يكون بيننا هذا الفريق…ثم رحت أعلق على مواضيعه كلاً بحسب قدرتي…فقرأت موضوع الشاب و 48 مدينة…. فكتبت هذا التعليق لأعلن عن حب جديد ينبت بقلبي…فكان هذا التعليق .
((( تصفحت صفحة أسبانيا و الموضوع الخاص بـ 48 مدينة….فوجدت جهد جبار ….و عواطف جياشة تحف الموضوع….فسجلت هذا الإعجاب بذلك الموضوع و الذي يعتبر بخساً بحق أخينا الشاب فقلت :
إن كان بالعمر بقية…. أو بقيةٌ من بقية
لأعانق الأطلال…. و أروي حكاياتك يا أندلسي
أخي الحبيب الشاب
لقد كنت تصف لي تلك الأرض…. أرضنا أرض الأجداد…فكنت معك أسمع….كأجمل ما يسمع الحبيب من حبيبه ….وكنت أطرب كما يطرب الولهان من إطراء عشيقه….
حلقت بنا في سماء آبائنا….حتى أنني كنت أشم عبقهم….و أسمع حكاياتهم…. لقد كنت أجلس في منتدياتهم….و أتبسم لأطفالهم…..و أغض الطرف عن نسائهم ……وأكاد أن أمد يدي مصافحاً لرجالهم. ….. أتجول في الأزقة…..فأمر على باعة القماش…..و سوق العطارين….و مبسط الباعة وسط البلد….حتى أنني أكاد أن أسمع صوت الباعة في أسواق المدينة…تنقلت…. و لم تتعب أقدامي بالترحال و التنقل بين كل أركان المدينة… بمناراتها…و مناظرها….و جميل عمارتها…و أشجارها ….وأنهارها .
أخي الفاضل …. لقد أمطرتنا بـ 48 من القطرات… قطرات كقطرات الندى الجميلة …تتنزل علينا من سمائك ….سماء العشق و الحب…فتتهادى حتى تعانق قلوباً عطشى…..فترويها حباً و دفء وفاء …..تسقط في سويداء قلوبنا…. فتطفئ نار الوله و تشعل فتيل الحب
أخي كل قطرة تعيد في أرواحنا الحياة…و تذكرنا بجميل الذكريات …
قطرة تعيدنا للماضي الجميل
قطرة تزرع فينا الأمل الجديد
قطرة تُبكي العيون و المقل
قطرة تحيي بسمة على ذك الثغر
قطرة تنزع من قلوبنا شك و تزرع أمل
قطرة تجعلنا نعيد حساباتنا من جديد و نفكر بالأمر البعيد
قطرة تجعلنا نعتذر…..
فهل ياترى تقبل الأجيال من العذر ؟
إنها قطرات تجمع كل الاختلافات و تجمعنا على حب تلك البلاد
أخي ولولا خشية الإطالة لكتبت كل القطرات…… لكن تقبلها ممزوجة برائحة الحب القديم…بصوت أهلٌ غالبهم الحنين….بأفئدة يملؤها الأنين…فتقبلها بكل أنواع الحب و الحزن و ألوان الأشجان .
أخي أسعدني في رحلتك ….أنني كنت أحس بعشقك عبر جميل نثرك….و كنت أحس بصدى غيرتك على معشوقتك عبر كل سطر من أسطرك…..بل أجدك تكتب الغزل و الرثاء في بيت واحد….ترثي الحاضر الميت و تتغزل بالماضي الجميل…نهنئك بتلك الروح الحية…وندعو الله أن يحيي قلوبنا .
في الختام : لا يسعني إلا أن أقدم لكم الشكر العظيم لحملكم حمل المنافحة و مد يد المصافحة لبقعة كانت من أغلى بقاع المسلمين …
مع تقديم اعتذاري عن غيبتي عن هذا الموضوع الجميل
وتقديم أعذاري لكل مدينة من مدن تاريخنا الجميل..أن نسيناها
فطابت أيامك …و طاب محياك
في الختام
أصعب اللحظات هي اللحظات التي تعتذر فيها من إنسان….و أسعد اللحظات هي اللحظة التي تعتذر فيها من كريم…..أخي الكريم الشاب ….أقدم اعتذاري لعدم مروري من قبل على هذه الرقعة الفنية الجميلة…..فتقبل اعتذاري و لك تحياتي
أخوك / نسيم نجد…….)))
الشاب يقدم دعوة لنسيم نجد لزيارة أسبانيا و أبوريان يتدخل :
فلما رأى الشاب هذا الإقبال من نفسي على هذه البوابة قدم الشاب لي أكثر من دعوة…. لنزور بلد الأسبان…و التنعم بما فيها من الجنان…و الخوض في تلك البحور…و لكن أخي أبو ريان كان يقرأ ماخلف السطور…فهو يعلم أنني عاشق للطبيعة…و محب لمناظر الخضرة…و تعجبني الأنهار و الجبال و الزهور و المروج و كل أرض تكتسي بالخضرة…
و يعلم أنني لا أطيق منظر الجبال العارية و بطون الأودية الجافة…و الأرض المصفرة و الأجواء الحارة….و فكانت نقطة الالتقاء أنا و أخي أبو ريان…أنني كنت العام الماضي في ألمانيا فقدم لي دعوة أن أقدم إلى سويسرا حيث يقضي بعض الأيام هناك عند عشيقته السويسرية أنترلالكن….و قال لعلك تأتي إلينا هنا في أرض لم ترها عينك…و لم تسمع بها أذنك…
حاولت و لكن حالت بيني و بين القدوم إليهم بعض الظروف…ثم ذهب هو بزيارة إلى بلاد الأندلس ليلتقي مع أخينا الشاب هناك…فكان يراسلني و أراسله عبر الجوال فأتتني هذه الرسائل….فكانت أول رسالة منه هذه الرسالة عندما قدم و تذكر أيام في القلب تسكن :
جادك الغيث إذا الغيث همى يازمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس
ثم لم يطب له العيش في تلك الديار…فسألته في مكالمة كيف حالك بعد أن تغيرت ديارك …فأرسل هذه الرسالة لتعبر عن واقع الحال :
( محنب ناقصين شماته أللي بنا يزينا….حر و حصيان و حوسه )
فقلت لأخي الشاب إن بوابة الأندلس عليها خطر عظيم من أبو ريان…فهو كل يوم لأرض تلك البلاد بسباب…فإن لم تجمعوا أمركم و تأتوا صفاً فإن أمركم عليكم بخطر…و أن شمسكم سوف تكون بمنحدر…و أن أفول نجمكم قد حضر…فأجمعوا أمركم أمام هذا الخطر….فقلت له أما عن نفسي فسوف أذهب بإذن الله إلى بلاد الأندلس و أكيل لها من الثناء متحمله حروفي لتلك الأرض من الوفاء…
فقال و بغضب : إليك عني أنت و مشرف سويسرا…. فأنتم من شوه سمعة بلادي …و أنتم من رماني بصفات هي بأبعد الصفات دياري…أنتم من تُسمون بلاد الأهل و الأجداد ببلاد الحصى و التراب….و أنتم من غطت عيونكم مناظر الطبيعة فوصمتم غيركم بالصفات القبيحة .
دارت السنون …و رمتني الأيام بحاجة عند أخي الشاب…فقد احتجت هذه السنة بعض المعلومات عن مركز للعلاج في مدينة مدريد من بلاد الأسبان ….استشرت كل مستشار من الأخوة من بوابة من الشبان…..فكان ممن استشرته و أردت أن أستفيد من علمه هو أخي الشاب…فقال : أرسل لي عنوان ذلك المركز حتى أدرس لك السكن و المواصلات و كيفية التنقلات…أرسلت له العنوان برسالة…و بعدها بأيام…رن علي رقم جواله…نظرت إليه فإذا هو الشاب…لم يدع مجال للسلام ….فقد بادرني بضحكة اهتزت لها الأركان…فقلت أخبرني مالذي يضحكك و ما لذي يسرك…فضحك ضحكات تمايلت من قوتها القواعد و العمدان…قلت على رسلك مالذي يضحكك…قال : لقد وَقَعت في شر أعمالك…قلت كيف ذلك …قال : لقد وجدت أن المركز الصحي يقع في وادي اسمه وادي الحجارة…
ثم أكمل حديثه ….يامن كنت أنت و أبو ريان ت تسبان تلك الدار اليوم جاء يوم الانتقام…روحوا لوادي الحجارة لتعلموا أنكم أمضيتم بقية حياتكم في خسارة …روحوا مجبرين بعدما كنتم مخيرين….لم أستطع أن أكتم ضحكاتي و التي تخفي خلفها قلق عظيم عن ذلك الوادي السحيق ….و هذا الخبر الذي لا أعلم متى منه سوف أفيق…فكان أن وصل الخبر أبو ريان فبدأ بنشر الخبر بين الإنس و الجان…فهو في كل وادي يضحك و يتمتم ….و يقول نسيم نجد سوف يذهب لوادي الحجارة…فماذا عساه أن يصور…أو عن ماذا يتكلم….لن تكون في السنة القادمة تقارير ….و كيف حال نسيم نجد و كيف سيصير…هل سيكتب عذراً ياوادي الحجارة لقد تعثرت بالطريق…أو هل سيكتب رحلتي إلى وادي الحجارة ألم و ألم….أو سيكتب رحلتي على الخيل و رحلة الألف ميل ….أو سيكتب رحلتي من وادي الدواسر إلى وادي الحجارة…فبدأ يرسل رسالات لكل من نعرفه بالمنتدى شامتاً مترحماً على حال نسيم نجد الذي كان عقابه أن استبدل نهر الراين و نهر السين بوادي الحجارة….الذي استبدل الرحلات البحرية عبر العبارة برحلة مجهولة الأيام بوادي الحجارة…( اللهم لا تكشف ستري و لا يعلم أخي أبو ريان من خبري )….فكان أن نشر صورة في موضوعي في بوابة سويسرا صممها بنفسه و وضعها على حين غفلة …
قدمت على التأشيرة…و أنا أقول بيني و بين نفسي أسألك ربي الخيرة… الكل ينظر إلي فيقولون أهم شيء التصوير و لا تنسانا من كتابة التقرير…و لن نستغني عن الوصف الجميل…ثم يرون الحزن على وجهي….و يواسونني فيقولون : لا يضيق صدرك و تنحبس أنفاسك و ينعقد لسانك…فأنت في خير مكان فأنت في وادي الأسبان…
ثورة البركان وظهور الحب الحقيقي من نسيم نجد :
و لكن و ما بعد لكن هي التي تهمكم ….
أقول لأخي الشاب و أبو ريان و أبو سلطان من الشامتين من نسيم نجد و أرض الخلان أرض الأسبان …بل أقول لكل من لم يسكت حتى هذه اللحظة من القهقه …
أقول لعلكم لا تعرفونني…فإن كنتم كذلك فعلى رسلكم….أنا أحب أن أكتب….لأني عندما أكتب فأنا أكتب لنفسي…و لا يهمني أي أرض تتلقفني…و أي زمانٌ يحتويني …
فإن كانت رحلة أحزان… فبقلمي أحولها إلى فسحة أنفس بها همي و أفرج بها كربي و أزيل غمي…و أطرد السأم من صدري و ادخل السرور على أيام عمري…
و إن كانت أرض للجمال… فهي أرض تسرح فيها نفسي… و تَرقُبُ جمالها عيني…و تحب أن ترسمها حروفي…أسرح فوق جبالها ….أستظل بظلال أشجارها…. ألحظ قطرات الندى تتساقط من أزهارها…أنظر للأرض و قد أنبتت العشب في أطرافها….
و إن كانت في أرض فلاة و صحراء قاحلة…فهل هناك أجمل من الأرض الصافية ….فتجلس فيها تتأمل بزوغ شمسها و من ثم مغيبها …
مهما كانت الرحلة …و مهما كانت الظروف…أغمض عيني ….و أعطني خلوة …أو خذني بسياحة… أو نزهة…أعطني أي أرض لا تحمل بنظر الآخرين أي منظر للجمال ….بل أعطني من الديار ما يخالف كل الأذواق…حملني ما لا أطيق من الأسفار….فنفسي لا تنظر إلى الجمال بعينها …بل هي تنظر إلى الجمال بقلبها….فهي تنظر إلى ماخلف المناظر…و تشاهد ما خلف المشاهد…لا يهمها فقط ماتبصره العين…بل تحب ما يعشقه القلب…فهي تقول لي دائماًً…دعني أعيش في طرقات طويلة أتأمل بُعدها و آمل أن أصل لمنتهاها… أسرح عبر سمائها و أفرح أن أسير فوق أرضها….و إن شئت دعني في بحر …أو بجانب نهر…. أو قريب من منابت الزهر …فكلها بقلبي دارٌ واحدة ….و كلها لها مكان عالية….
في كل أرض لي فيها روح تتأمل و تسرح ….و في كل مكان من الأرض تسعد و تفرح …دنياي بلا حدود ….تأملاتي بلا قيود….مقياس الجمال في نظري له ألف معيار…لذا لن أستوحش إن وضعتني الحياة في أرض موحشة …أو رميتني الأيام في أرض مقفرة …أو قذفتني الدنيا بأرض من الناس خالية…
فقط كل الذي احتاجه هو أرض و سماء و قلم و قرطاس….بعدها دعوني أرسم حياتي….فأنقش نبضي حتى تجف محبرتي ….و ألون الصفحات بمذكراتي….و عندما تنتهي الصفحات و تجف الأحبار…فسوف أكتب بأصابعي على الرمالي ….أكتب و تمحوها نسمات البراري…أكتبها و تحملها النسمات و تبلغها إلى كل غالي….أكتبها على مجار الأنهار فتحملها و توصلها لكل ساحل …اكتبها و يستشفها القمر و يرسلها شعاعاً بارد يصل لقلب من أحب…و إن لم أجد إلا الجبال فسوف أنقشها على كل الصخور…أكتبها و تمحوها الأيام من على الرمال و الجبال و الأنهار و تبقى في ذاكرة التاريخ على مر الأزمان .
كل ذلك عندما أكون بأرض هي أبعد أرض عن الجمال….فكيف إذا كنت ببلاد الأندلس….فقط… إن ذكرها يحرك الأشجان…و يجعل الروح تسري حتى تعانق تلك الأركان….لا أخفيكم إن ذهبت إلى تلك الديار فإن بواعث جديدة تتحرك في قلبي …هي بواعث ليست ككل البواعث…بل هي باعث الحب الأصيل…الذي يحمله قلبي بالوراثة….و يسكن صدري بلا هوادة…هو حب لكل ما يمت لهذه الأمة بصلة…هو حبٌ لداري الأولى….و لبيتنا المسلوب .
هو حب للأندلس المفقود…بتلك الأراضي تمشي و قلبك مع أهل الفتوحات…و عيناك تنظران لكل أثر أحدثه الأهل هناك….و يداك تلتمسان جدران بيوتنا المسكونة…و روحك تتوزع بين طرقات تلك المدينة….فهل يعقل أن لا يخط القلم بمداد من الدم أمجاد و أحزان تلك الأرض…فالمسافر المتأمل يجد أن…
أشجارها تعرفنا…. فكم من فاتح استظل بظلها…و كم من عاشق سكن تحت أغصانها….و كم من عالم ألف كتباً و هي تتساقط عليه أوراقها….
أنهارها تعرفنا….فكم نقلت من الجنود…و كم أغتسل منها عابدٌ دائمٌ لله السجود….و كم ذكرت الصالحين بدار الخلود….
جبالها تشهق من نظراتها إلينا….فكم وطأتها قدم …و كم سال على أراضها أشرف دم….و كم شهدت من معارك النصر و الحسم…
فإن كانت أراضيها جدباء…فالعذر لها …فقد فقدت أقدام و عيون من كانت تنبت وتخرج من أجل أن تسعد بوجودهم….و إن ذبلت أزهارها فقد مات من كان يقطفها و يقدمها لمن يستحقها…و إن كانت جبالها من الخضرة خلت فقد دفنت في مقبرة الحياة كما دفن أهلها الذين تأنس بهم…و إن كانت أنهارها جفت فقد جفت من البكاء على من تحبهم…و إن أرضها أصفرت و أجواؤها احترت فإنه أصفرت و احترت من الحمى التي أصابها من الوجد على فراقاهم….و إن كانت سماؤها لا يغشاها الصفاء….فهل يصفوا وجه من كدر عليه الزمان أيامه….لا تلوموا أرضاً فقدت أهلها و خلانها….بل لا تلوموها فهي في حدادٌ أبدي…لا تلوموها فقد زاد حزنها من أناس في هذا الزمان… من بعض أحفاد من سكن تلك الديار …الذين يعرفونها و ينكرونها….أتوا ليعزوها في مصابها … أتوا إليها من كل فج عميق….فذهبوا يبحثون عنها في كل مكان…ذهبوا لكل مكان إلا أماكن الشرفاء….ذهبوا ليبحثوا عنها في الحانات….و على الشواطئ…ذهبوا ليبحثوا عنها في المراقص و الملاهي…ذهبوا ليبحثوا عنها في كل وادي للرذيلة ينادي…ذهبوا ليعزوها و قد تجملوا بأجمل زينة و يقولوا نحن أبناء تلك الحزينة….ذهبوا ليعزوها و قد أخذتهم السكرة….ذهبوا ليعزوها و تسمع لصوتهم قهقهة….ذهبوا….ليعزوها و نسوا أين يجدونها….فهم يعرفون كل الأماكن إلا مكانها الذي تسكن فيه…يعرفون كل الطرقات إلا الطريق الذي يؤدي إلى أرضنا المصابة و أمنا المحزونة……فهم لا يعلمون أنها في ركن بعيد من مسجد قد تحول لمتحف….أو زاوية من قصر قد تحول لمرقص…أو في أعلى منارة لتشهد أن كان للأمة هنا حضارة…إنها في كل أرض سُجد فيه لله سجدة…و في كل غرفة تليت فيه لله آية…في كل طريق أو جادة أعلي فيه لله ذكره….هي في كل نسمة حملت صوت مؤذن يصدح بصوته….هي في كل ظلمة تحمل في سكون ليلها و آخره داعياً قد رفع لله يده….تلك هي أماكن أمتنا المسلوبة و أوقات المواساة لأمنا المفقودة….هنا يتوقف الحرف فالحدث أعظم من أن يستمر الحرف البارد بالنزف ….
إن نفسي تحمل ألم تلك الديار رغم اعترافي أن قلمي لا يوازي المصاب ….لكن …متى أرحل سوف أكتب و إن لم أرحل فسوف أكتب بإذن الله تعالى .
في الختام :
لا أخفيكم أنها أمنية أن أكون بتلك الأرض رغم مايبدر مني من المزاح و الملاطفة لأخوتي…بل لقد اشتريت بعض الكتب الخاصة لأكتب عن رحلتي التي لم أخوض أمواجها…و ذلك لشدة تأثري بفريق العمل الأسباني من الأحفاد البررة
دمتم بأغلى تحية
نسيم نجد