التـــــــــــــــــــاج
دار المهتديات الجدد , هي دار تهتم برعاية الأخوات حديثات الدخول بالإسلام , و تعلمهن أسس الدين الصحيح , وكيفية المرور بسلام خلال هذه المرحلة الانتقالية , و تسلحهن بالسلاح اللازم من العلم و يزدن من مخزونهن من الصبر على البلاء , و تعلمهن الضرورات من الدين والأركان . فصل صغير , له نوافذ ضيقة , وضع في وسطه فرشة لجلوس طالبات العلم , في مقدمته لوحة تحاكي عمل السبورة , رغم ذلك ففي فصلهن كل شيء يشع , فنور الإيمان الذي مازج أنفس جديدة قد أنار الجنبات . وجوه سمراء تبدوعليها أثر السعادة برغم البساطة , وجوه تحمل صبغة هذا الدين , وتشرق بنور عظيم , و ونفوس تترقب أن تسعد أعينها بتتبع حروف القرآن , دخلت أختي عبر الباب الموصل من غرفة الإدارة إلى الفصل , فقمنا جميعاً للسلام عليها , فكان السباق على شرف الحصول على السبق بالمصافحة , و لم يعلمن أن أختي هي التي لها الشرف بذلك , جلسنا بصفوف متراصة , و كانت أعينهن على أختي في حركاتها , ذهبت أختي إلى زاوية من زوايا الفصل فيها مسمار مثبت , فخلعت عباءتها , وعلقتها على ذلك المسمار , و تقدمت إلى السبورة لتبدأ درسها , لكن المهتديات توقفت أعيونهن عند العباءة المعلقة , و لم يتابعن أختي في تقدمها أوتقديمها لدرسها , ولعل القلوب لازالت هناك حيث تعلقت بجانب تلك العباءة , كان جل اهتمام المهتديات بهذا الجلباب التي ترتديه أختي , و كان محل اهتمامهن و محط عنايتهن , فهو بالنسبة لهن رمز , و عندهن امنية حياة , ومطلب تقضى من أجل الحصول عليه كل الحياة . فكان الجلباب يذكر كثير في حديثهن بل يطلبنه و بشدة و أيضأ بحسرة.. فكم تنقضي الأوقات الطوال بتأمله والحلم في ثناياه من قبل بنيات الدار , أليس هذا الحجاب الذي هو ستر للمرأة ؟ أليس هذا الحجاب الذي هو زينة للمرأة ؟ أليس هذا الحجاب الذي نزل به الكتاب ؟ أليس هذا الحجاب و الذي يكسي المرأة جمالا مع جمالها ؟ أليس هذا الحجاب رمز العفة و النقاء و الطهر ؟ أليس هذا الحجاب الذي قامت الدنيا من أجله و لم تقعد من أجل نزعه ؟ أليس هذا الحجاب الذي جار العالم عليه فأجاره الله منهم ؟ أليس هذا الحجاب الذي ما إن أزداد العالم بحربه عليه حتى زاد تمسك الناس به ؟ حجاب وغطاء , نور و نقاء , هو بينا أيدينا رخيص , و هناك في تلك الديار شيء نفيس , كم تمنت فتاة أن تستتر به عن عيون الرجال ؟! كم تمنت فتاة أن يتدلى على جسمها فتكون كالصحابيات ؟! كم تتمنى أخواتنا هناك أن يجدنه بل يجدن بعضه ؟! هو تاج على رأس كل امرأة , هو تاج ترفعه فتكون في عالمها ملكة .
في هذا الفصل المزدحم , المليء بالوجوه السمراء , و يظهر مظهر الأفريقيات بشكل غريب على أختي و بنياتها , حيث يتدلى من رؤوسهن ضفائر عقدت بشكل غريب , و عيون واسعة كقمر نير وسط ليل دامس , نظرات بنات أختي لم تنفك عنهم , و نظراتهن لأختي و بناتها لم ترتد عنهم , رحبت بهن أختي , بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , فكان الصوت المدوي , برد السلام من ألسنة قد اشتاقت إلى اللقاء مع من كنا ينتظرنها من أيام , أخذت أختي قطعة فحم , و كتبت في السبورة بعدما رأت ذلك التتبع العجيب للحجاب , كتبت قول الله سبحانه و تعالى (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)الأحزاب , أخذت أختي تتكلم عن عظمة هذا الدين , و أن الفائز من أنجاه الله بالسباحة في فضائه و العيش في ثناياه , و أن هم نصرة هذا الدين هو هم مشترك , و أن الذي جاء بها من بلادها هو حبها لأخواتها و حب اللقاء بهم , و كيف أن المرأة المسلمة محاربه من أعدائها , و أن أول و أقصر الطرق للوصول إلى قلب الأمة الإسلامية هو أفساد قلبها المتدفق , و هو إفساد قلب المرأة , و أن فساد المرأة يبدأ بتخليها عن حجابها , و شرحت لهم برنامجها الخاص باللقاءات المرتقبة خلال الفترة القادمة , كانت تلك الرحلة الدعوية مقسمة بين مركزين , مركز المهتديات الجدد , و التدريس بمركز الجامعة للفتيات المسلمات الجامعيات , بمعدل ثلاث أيام في الجامعة و يومين في مركز المهتديات الجدد , و هناك يومان إجازة تستغله بالتحضير للعمل الكثير الذي ينتظرها خلال أيام الأسبوع , كانت المحاضرات مستمرة من الساعة السابعة صباحاً إلى الساعة الواحدة و النصف ظهراً , وبلا توقف , و كان فيه من الإرهاق مالله به عليم , لكن وبنظرة للثمار التي تقطف كل يوم يهون النصب , و يزدان بالعين العمل , حلقات قرآن تعليم صغار , و توجيه مهتديات , شروحات و توضيحات , أعمال تجعل الإنسان في هم دعوي دائم ,كانت الآية التي كتبتها أختي على السبورة , هي مبعث للتساؤلات , و هي شرارة أوقدت الكثير من الآهات من الفتيات , فبدأنا الحديث عن التاج , عن الكلام و بإسهاب عن الحجاب , كلاً منهن يشرح سبب إسلامها , تقول أختي سألت المهتديات الجدد , ما سبب دخولكن في الإسلام , فكانت أغلب الإجابات أن سبب دخولهن هو إعجابهن بشكل المرأة المسلمة و هي متحجبة , لا ينظر لها سوى محارمها , قد أخفت مواطن الجمال بها , فهي درة مكنونة , وهي جوهرة مصونة و محفوظة , هي أخفت كل ما يبين جمالها و انقادت طائعة لأمر ربها , نعم صدقن إن هذا الحجاب هو رمز للمرأة المسلمة , فعندما ترتديه المسلمة فهي داعية صامته , فمن سواد حجابه يشتعل نور الأيمان بقلوب مظلمة , من سواد حجابها تشرق شمس العزة في قلب كل امرأة مسلمة ..
و لكن أمام هذا الحب منهن للحجاب , تقف قلت الحيلة و العجز عن امتلاك الحجاب أو قيمته , فهذه مشكلة تؤرق أخواتنا هناك , و تقض مضاجعهم , فكم بكت من عين ؟! و كم تألم من قلب ؟! وكم حرمت من أخت من أن تخرج ؟! بسبب أنها لا تجد ما تلبسه لكي تخفي ما أمر الله به أن يستر , كن يردن أن يتزين بالستر , و لكن قلة الحيلة و العجز عن توفير الحجاب عائقاً يقف في طريقهن , جاءت أحدى النساء إلى أختي , تسأل و تقول : أختاه أنا أعرف أن الحجاب واجب على المرأة المسلمة , و لكنني لا أملك ما أتحجب به , فهل يسامحني ربي أن قصرت بحق من حقوقه , و أعدك أنني لن أخرج للرجال أو الشارع إلا للضرورة القصوى حتى أملكه , فهل سألنا أنفسنا لماذا لا ترتدي الحجاب ؟ لا ترتديه لأنها لا تجد ما تبتاعه به , بل لا تجد ما تأكل به ذلك اليوم , رغم ذلك تحبس نفسها عن الخروج , حتى يأذن الله لها , و يسهل أمرها بشراء حجاب يسترها , و ليتنا نراجع أنفسنا عندما جعلنا الحجاب زينة , عندما تفننا في الحجاب و صار موضة , عندما أردنا أن نرفعه بالزينة و ألبسناه الدنية , فصار فتنة بعد أن كان عفة , صار شرارة بعدما كان من النار وقاية , صرخات و موضات و أشكال و ألوان , كلها تسمى بالحجاب , و الحجاب منها براء , فمتى نرفع التاج من الوحل و نضعه على رأس يحمل الأمل , فأنت الأمل المعقود يافتاة الإسلام , و تقول أختي أتت احد الأخوات إلى و لقد طلبت مني أن تقوم بتوفير راتب سنة كاملة , لا تأخذ منه إلا ما يكفي لطعامها , وذلك حتى تشتري لها أختي عباءة تضعها على رأسها , قالت لها : أنتي تتحجبين بشكل كامل , فلا يظهر منك أي شيء من أطرف جسمك , فوجهها مغطى و اليدان و القدمان كذلك , فقالت , لا يا أختي أنا أريد أن أضعها على رأسي , أريد عباءة سعودية , تقول : أنا عندما أضعها على رأسي و أخرج بها إلى الأسواق , أحس بعزة و رفعة و كرامة للمرأة المسلمة , فقالت : أختي سوف أعطيك عباءتي , و أعطتها إياها , و سألتها بعد أسبوع عن العباءة , فقالت , و الله لم تنزل من على رأسي منذ أسبوع , فأنا أخرج بها في الشوارع , و أحس أنني أتحدى النصارى بها , و أعز ديني و أكون داعية متحركة بعباءتي , يا الله , هناك يواجهون التغريب و التنصير و عليهم من الفاقة و الضيق ما الله به عليم , رغم ذلك هم يتمسكون هم يبذلون الغالي و الرخيص من أجل رضى رب العالمين , و نحن عندنا الدعاة يدعون ليل نهار , أن أمسكي عليك حجابك أختي , و نجد التفريط من البعض , و الأهل يطالبون فتياتهم بالمحافظة , و نجد العصيان , و الأموال متوفرة لاختيار ما أمر به الله , فنختار ما نعصى به الرحمن , ربي أنزل علينا الهدى و أرشدنا لما فيه الخير و التقى , تقول أختي , في مركز آخر كانت هناك مسابقة , و بعد المسابقة سألنا ماذا تريدون أن نقدم لكم من الجوائز؟ , و كنا فتيات في العشرينات من أعمارهن , فطلبنا منا أن نوفر لهن عباءات على الرأس , رغم أن أغلبهن ممن يغلب عليهم حاله الفقر , حتى أن السواد الأعظم منهم لا يجدون إلا وجبة واحدة في اليوم هي عبارة عن الماء مع الذرة , رغم ذلك طلبن الحجاب الذي يوضع على الرأس , لن أعلق على هذه النقطة فواقعنا يعلق بالقدر الذي يجعلنا نتألم , فمتى نتمسك بحجابنا و الله أن أول من يُعجب بنا أعداؤنا , و اذكر هنا قصة لأختي هذه نفسها التي ذهبت إلى أفريقيا , فقد ذهبت أختي قبل عدة سنوات في رحلة علاجية إلى ألمانيا , و زارت مستشفى العظام في مدينة ماينز الألمانية , وكان الدكتور الذي سيشرف على علاجها هو رئيس قسم العظام و كبير الأطباء في المستشفى الجامعي , و هو يحمل شهادات عليا في تخصصه , فكانت أختي بعباءتها و حجابها الكامل تضعها على رأسها و تغطي كامل أطرافها , فعندما انتهت الرحلة العلاجية , قال البروفسور , بلغ أختك إعجابي الشديد بها و شكري لها , وذلك بسبب تمسكها بدينها و تقاليدها , فقد حازت على إعجابي لحفاظها بقيمها و ثوابتها و مبادئها , فكل إنسان له ثوابت و قيم يحافظ عليها فحتماً سيعجب به الجميع , أما من ترك لنفسه الهوى و صار يتقلب في تبعات النفس , فحتماً لن ترتاح نفسه و لن يجد لتقدير من غيره , ولعلي استشهد هنا كذلك بقول الكاتبة الأمريكية الشهيرة عندما حضرت إلى السعودية و لبست الحجاب , فتقول : تانيا سي هسو «نقلاً عن عرب نيوز» ( بعد عودتي من المملكة العربية السعودية التي أمضيت فيها أربعة أسابيع مرتدية العباءة والحجاب , ونظراً لأنني محللة متخصصة في شؤون المملكة العربية السعودية فلقد عرفت الكثير مسبقاً مما هو متوقع مني عمله ولم يمثل ارتدائي للحجاب وعدم تمكني من قيادة السيارة خلال المدة التي قضيتها هناك أي مشكلة بالنسبة لي وبعد أربعة أسابيع طرت إلى اتلانتا مرتدية الحجاب ليس فقط لأختبر رد فعل الأمريكيين، ولكنه لأنه كان مريحا وعمليا، ولقد أضفت لحجابي في سوق البدو بالرياض البرقع وأدركت ولأول مرة في حياتي بأن الرجال يتحدثون إلي مباشرة بكل احترام وتقدير دون أن يكون لجسدي كامرأة اثر في ذلك التقدير )
و في جانب آخر من زوايا تلك الرحلة , تقول عندهم حب غريب لسبر أغوار هذا الدين , و التزود بالعلم الشرعي , و النهل من تعاليم الدين الحنيف , تقول أختي , لقد أعطت ذات يوم أحد الطالبات شريطاً , فجاءت سبعين طالبة يطلبن نسخ الشريط , فجلسنا ينسخنه تحت ضوء السراج , فهن يملكن كنز و يردن أن يستثمرنه , و لم تثنيهم صعوبات لحياة , أن يستغنموا كل ما يزيدهم إلى الرحمن قرباً , فهن حريصات على العلم , وبذل أنفسهم لهذا الشيء , فهم يريدون أن يتعلمون في يوم وليلة كل أمور دينهم , يريدون أن يلحقوا بالركب , يريدون أن يتعرفوا على كل صغيرة وكبيرة من أمور الدين , بل إنهن يجمعن صغيراتي في أوقات فراغهن و يأخذن يسألن عن بعض الكلمات التي لا يعرفنها , فهن يردن أن يتعلمن اللغة العربية لغة القرآن , حتى يتمكن من إتقان القراءة , بسهولة ,
واعتذر منكم على الاختصار فالوقت يزحمني و إلى اللقاء في الحلقة القادمة
أخوكم / نسيم نجد
www.naseemnajd.com
روابط بقية الحلقات….