لقطات من ياسمين الحمامات
نتكبد المشاق و نرتحل…
و نخوض البحار و نتحمل الصعاب من أجل أن نطفئ رغبة الاكتشاف التي في صدورنا تشتعل..
وعندما يرسو قاربنا في شاطئ جديد…
و عندما تحط عيوننا رحالها في مدينة جديدة…
فإن كل شيء من حولنا يحاول أن يقترب منا أو يصل إلى قلوبنا…
من أجل أن يفوز منا بنظرة أعجاب أو يحصل على كلمة ثناء و إطراء…
تأخذنا الخطى في الطرقات و القلب يتعلق بكل من حوله…
و العقل يتأمل كل صغيرة و كبيرة من تلك الديار..
و البشر من حولنا كل يسعى في دروب حياته التي شغلته و بدون أن ينتبه إليك أنك زائر متأمل..
أو يلحظ أنك غريب ينتظر من أي إنسان أي كلمة ليسعد..
أو يحاول أن يقف و ينظر إلى ماذا تنظر…ليشاركك التعجب…
هكذا الحياة …فعندما تسرقنا و تسرق حواسنا بمشاغلها فإنها تبعدنا عن الإحساس بالآخرين من حولنا…
أو الالتفات إليهم و تأمل وجوههم و الوصول إلى حاجاتهم…أو مشاركتهم همومهم أو أفراحهم..
حط قاربي في رحلتي الأخيرة في تونس الجمهورية…
و منها إلى ياسمين الحمامات في زيارتي للمدينة الأولى من مدنها..
و بالتحديد نزلت بنزل للابيرلا…في الحمامات الجديدة
و هو نزل بشكل شقق مطلة على ساحة في وسطه تحتوي على مسبح بشكل مميز رائع…
و لا أخفيكم أنه كان لدي حب اكتشاف تلك الدولة, و ذلك لبعدها عنا و جهلنا لحال أهلها بسبب قلة الخلطة معهم و البعد الجغرافي فيما بيننا و بينهم..
كان هاجسي أن أزيل اللثام عن تلك البقعة من بقاع وطننا العربي الكبير…
فقد كان لدي حماس أن أفتح كل أبوابها المغلقة, و أكتشف كل أسراها المخبأة..
كان لدي عزم أن أنقش في قلبي صورة عن تلك البلدة مهما كلف الأمر..
و من أجل الفوز بخانة الوفاء لتربة من أراضي بلاد العرب المعطاء…
من أجل أن تطأ قدماي أرضٍ مسلمة بعيدة كل البعد عن عيني المحبة لهم…
من أجل أن أقرأ في جدرانها حروف الأوائل من الفاتحين الأفذاذ..
من أجل أن أنظر لتاريخها عبر نفحات نسيمها..
و من أجل أن أشاهد تاريخها عبر أعمدة الآثار المجيدة فيها..
و لا أخفيكم سراً أن ماخلف الكواليس في زيارتي أهم مما يظهر و ينطبع أمام عيني من مناظر مباشرة…فقراءة السياحة في تلك البلدة تختلف عن أي بلد آخر…زرته…لأنها في نياط القلب جذورها ضاربة…و ليست هي نظرة قريبة تعتمد على المظهر بدون الوصول للمخبر…
و النظرة ليست معتمدة على ما تحويه من بنية تحتية أو من نهضة عمرانية أو من تقدم أبحث عنه في ذلك البلد عن غيره..
أيضاً ليس المقصود التحقق من مقولة ” تونس الخضراء ” و برهنة ذلك بالدليل من الصور أو إقامة الحجة أو عكسها…
بل المقصد من السياحة في تلك البلد أن ينتقل عقلك و فكرك نقلة نوعية أخرى لم و لن تجدها في الوطن العربي الشرقي كدول الخليج أو الوطن العربي المتوسط كمصر و السودان أو ليبيا فالمغرب العربي و من تونس بالذات الفارق شاسع و واسع و البون بين تلك البيوت العربية و الاختلافات الفكرية و المعيشية و الحياتية لا يمكن أن تصفه حروف بدون أن تشاهده و تخالطه عقول…
المقصود أن أرى تلك الدولة التي تعيش في الظل بالنسبة لي إن عشت بالشمس و تعيش هي في و سط نور لشمس عندما ينزل الظل علي..
أن أكتشف القمر الذي يتغنى به الناس , و إن كنت أن الشمس التي هي مصدر نوره و ظهوره…
أن أقترب أكثر من تلك البقعة و أنفس هواءها و أشم أرضها و أعيش وسط أنفاس أهلها من أجل أن أحس بها في قلبي..
أيضاً العيش في رحاب الماضي و تاريخ الدول المندثرة لا يمكن أن يصفه أحساس عابر أو نقش على الورق..
و في كل حال فأنا هنا لست بصدد أن أكون نقطة المنتصف من الميزان فأرجح الأفضل بينهما أو أن أسهب بذكر السلبيات و الإيجابيات في أرض عن أخرى..
إنما سوف أطرح حديث الصور مع بعض المشاهدات و الملاحظات لعلها تطبع بعض التصور عن تلك الرحلة…
في تونس يتم صناعة السياحة صناعة محكمة..
كما يجتهد الصاغة بسكب الذهب و تلميعه…
في تونس العيون تتجه للسياح الأجانب و بالأخص الأوربيين …
فهم يمثلون دخلاً غير مستهان به في بنية الدولة الاقتصادية..
و عندما تقرأ الأحصائيات عند عدد السياح في كل سنة فإن الدهشة لن تبرح وجهك دون أن ترسم علامة مميزة فيه…
لذا فإن العلم الجاد و المستمر لأستقبال هذه الحشود يجعل الدولة و الشعب و الخدمات بكافة منافعها تسعى لكسب رضا السائح الأوربي…
و السائح الأوربي كما وصل لي من المعلومات المتداولة أنه سائح من الدرجة الثانية و الذي يبحث عن مدينة جديدة و مناطق مناسبة و مناخ معتدل مشمس و تكلفة جد رخيصة..
لذا فهو يجد في تونس الاختيار الأنسب لمتطلباته, و المكان الأفضل لخياراته…
و في المقابل فإن الفنادق و التجهيزات في ياسمين الحمامات هي مناسبة لهم, و توفر احتياجاتهم و تتوافق مع رغباتهم…
عندما تزور ياسمين الحمامات فإن هناك البلدة القديمة و البلدة الجديدة. و كل فتاة تغار من أختها…
فالبلدة الجديدة تحتوي على الفنادق و الشواطئ المعدة للسباحة و التشمس…لذا فهي مناسبة للأوربيين بشكل كبير و غير مناسبة للعرب الذين يطلبون الحشمة..
و البلدة القديمة هي تحكي قصة الديار التونسية لقديمة.
فالبلدة القديمة ذات أزقة و طرق ضيقة..
و فيها البيوت متراصة..
و الأبواب بزخارفها المميزة..
و بألوانها المتنوعة..
و إن كان اللون الأزرق هو السائد..
ويعد اللون الأبيض هو الأكثر شهرة للمساكن و أكثر رغبة…
فلا غروا في ذلك فإنه يعكس صفاء قلوبهم الطيبة …
في المقابل فإن مقابض اللأبواب دائماً ما تكون مميزة بأشكال زخرفية رائعة..
تحكي جمال تلك البلاد و عشقهم لك جميل..
عندما تسير في البلدة القديمة فأنت تعيش جزءاً من حكاية ألف ليلة و ليلة..
و يشع نور تلك المباني بجمالها و حسن بنائها و وهج مؤسسيها…
فهناك باب مفتوح تطل منه ربة ذلك البيت وقد بهرتك بألوان ثوبها التونسي الشعبي فتخرج رأسها و قد ربطته بمنديل يغطي شعرها فتجدها تكنس و تنظف ما حول بيتها…
و فجأة تخرج فتاة من فتياتها قد لبست الموضة الحديثة و نشرت شعرها و أخذ الهواء يتلاعب به حتى تختفي عن ناظريك بعد أن ألتهمتها أزقة تلك المدينة…
عندما تسير في طرقات الحمامات القديمة فإن صوت الباعة هي النغمة الممزة في تلك البقاع..
أيضاً عندما تسير في طرقات الحمامات القديمة فإنك تسمع صوت الأطفال في البيوت, و سوالف النساء في المجالس من النوافذ المطلة على تلك الأزقة, فيجعلك كأنك جزء من تلك الأسرة…
في البلدة القديمة من الحمامات, تغطى بعض مداخل البيوت بقطع من القماش لتستر محتواه و تخفي أهله عن المارة…
في البلدة القديمة و في أوقات الطبخ تفوح روائح المطاعم التونسية الشهيرة , فكل بيت ينفث رائحة وجبته عبر نافذته…
في البلدة القديمة تشعر بالسعادة تفوح من بيوتهم, و الترابط يظهر من تقارب مساكنهم, و المحبة تعيش معهم.
في البلدة القديمة تعيش و كأنك في لعبة مسلية , فكل طريق يؤدي بك إلى حياة أخرى و شكل آخر من المعيشة..
في البلدة القديمة من الحمامات الأرضيات مرصوفة بالأحجار فقرع النعال ظاهر, و خطوات المارة واضحة, و حديثهم عالي و إن كان منخفضاً و ذلك بفعل صدى الأزقة الضيقة..
في البلدة القديمة يكسر ذلك الجمال و يبعثر قطعه بشكل مشوش, عندما يظهر بعض الأوربيين بأشكالهم و زيهم المختلف عن جمال شعبيات تلك المنطقة التراثية الرائعة.
في البلدة القديمة تخرج فتاة صغيرة قد قامت للتو من نومتها و لم تصفف شعرها و تذهب للبقالة الصغيرة فتشتري بعض احتياجها أو حاجة أهلها..
في البلدة القديمة تسمع صوصوت الكلمات الفرنسية و غبغجتها و التي أعتادها الشعب التونسي أن يمزجونها بالعربية خلال أحاديثهم كمن يمزج الماء باللبن فيكون خليطاً ليس عربياً سائغاً فتتمتع و تسمعه و ليس فرنسياً تعجب به.
في البلدة القديمة تنتشر في طرقاتها بعض الفوانيس المعلقة بزخارفها المميزة, و كنت أتمنى أن أزورها ليلاً لأراها بكامل زينتها…
في البلدة القديمة الظل دائماً موجود و الشمس تنزل بقلة بحكم الشوارع الضيقة فيتولد طقس رائع بارد..
في البلدة القديمة تنتشر الرسوميات المعبرة عن تونس بكامل مدنها و جمالها و قد أزدانت الطرقات بألوانها..و لم تصبر لإغرائها منها الشمس فأتت لتعانقها…
العمل في البلدة القديمة من قبل الأهالي أو من قبل الدوائر المختصة بالحفاظ على تلك المساكن دائم, فتلك البيوت تحت الصيانة الدائمة و الحفاظ على هيئتها يشكل هاجساً لأهلها…
في البلدة القديمة و عندما ينعطف بك المسار تجد فجأة ألوان أقمشة ملونة متنوعة للباعة و من خلفها بياض تلك البيوت الرائعة فتشكل لوحة فائقة الجمال بحسنها.
ملحوظة : القط ليس له أي علاقة بقصتي مع تلك البلدة ، إنما كان دخوله في الصور بالخطأ…
وليس ذلك فحسب بل إن الفخاريات تنتشر في كل مكان و تزين تلك الجدران, فيخيل للزائر و كأنه وسط لوحة فخارية فاخرة…
في البلدة القديمة وقعت في فخ خادع فقد قابلت فتاة ضعيفة العقل –شفاها الله- فطلبت مني أن أصورها ففرحت بذلك من أجل أن أرسم السعادة على وجهها, فتفاجأت بعد أن التقطت لها صورة باسمة أن أتت إلي وقات أعطني ثمن الصورة التي صورتنيها, فضحكت على الخدعة و أعطيتها ماطلبت.
في الحمامات القديمة تستثمر الزوايا من قبل الباعة لتسويق بضائعهم و أجمل مايعرض فيها خزفيات الجمال التونسي.
في الحمامات القديمة و الجديدة تعتبر منطقة سياحية لذا فالأسعار أكثر من السعر المطلوب حقاً و إمكانية التخفيض و المفاصلة موجودة…
في الحمامات القديمة تزين الطرقات الزهور المطلة من بعض النوافذ و تنشر عطرها في تلك الشوارع..
في تونس تبقى الابتسامة هي الظاهرة على محيا الجميع و يبقى حب الوصال و التواصل هي الأصل مع كل غريب يطأ بلدهم ….
عندما تزكم أنفك رائحة البهارات فتأكد أنك قريب من بائعيها في البلدة القديمة , فرائحة الأعشاب و البهارات تتسلل عبر الطرقات لتدل الزائرين على أماكن بيعها…
في البلدة القديمة قد يلزمك أن يحتك جسمك بالحائط من أجل إفساح الطريق لبعض المارة, و قد يلزمك أن تخفض من قامتك- إن كنت من أصحاب القامة الطويلة- لتمر بسلامة من تحت الأقواس المنتشرة في المدينة…
في البلدة القديمة يوجد قلعة و تطل عبرها على كافة أطراف البلدة القديمة و كذلك من جهة البحر..
كذلك يوجد بعض المساجد الأثرية و الأماكن التاريخية و التي يمكن أن تطلع عليها في وسط القرية القديمة…
عندما تخرج من البلدة القديمة , يتبقى في عينيك نقاء مبانيها , و في أذنك سمة الهدوء الذي سكن أطرافها,و في أنفك بعض عبير ورودها و تبقى في قلبك حبها و ألف صورة من صور حسنها…
في تونس من أعتاد على المطاعم العالمية أو السريعة أو المذاقات المتنوعة فإنه لن يصل إليها بسهولة…
بل إن المذاق التونسي قد يكون مختلفاَ عن المذاق الخليجي و الشامي, و تختلف أصناف الأطعمة لديهم بشكل ملحوظ عن مناطقنا…و إن كان الكسكي هو الأشهر
في تونس تبقى السلطة المطبوخة و الحوار شيء أساسي في المائدة التونسية, و هذا لم أتوقعه من قبل بل كنت أعتقد أن الهنود وحدهم المغرمون بالحوار لهذه الدرجة….
في ياسمين الحمامات رأيت أكثر من صورة من صور الجمال خاصة في البلدة القديمة فخرجت منها وبقيت الذكريات حاضرة في قلبي….
خرجت منها إلى بلاد أخرى من تلك البلاد و التي أعزم أن أوافيكم ببعض محتواها في حلقات أخرى ..
هنا أركب مركبي و أتمنى أن أطل عليكم من مدينة جديدة في حلقة أخرى…
في هذه اللحظة أودعكم على أمل اللقاء بكم
أشواقي و محبتي لكم..
نسيم نجد
في الختام هذه باقة من الصور المتنوعة…
مشاءالله شئ باهيييييييييييييييي
ما أجمل التراث!
وما احلى الصور1
وما أبدع التعليق!
نعم.. صناعة سياحة.. بجدارة
تحياتي
حلوة الديرة وما كنت متخيل انها بهالشكل
لكن ما أدري وش سر اللون الأبيض في مبانيهم ؟